بين فرحة العيد المبارك وأجوائه التي شابها الهدوء، وانقطاع التيار الكهربائي في بعض المناطق بالتزامن مع اشتداد موجة الحر، ودهشة البعض من تحويل مناطق أخرى إلى الخصخصة من دون علمهم، وتخوفات المواطنين من انخفاض منسوب المياه في نهر دجلة وبين خصخصة النفايات التي قام بها متعهدون من دون أي غطاء قانوني، ومنعهم لشاحنات الأمانة من الدخول إلى المناطق السكنية لإجبار المواطنين على الدفع.
وبين التخوف من قوانين جديدة بفرض ضرائب على كل شيء، وبين تأويلات وسائل التواصل الاجتماعي لحوادث تفجير مخزن للعتاد في مدينة الصدر وحريق صناديق الاقتراع، ومطالبة بعض الكتل بإعادة الفرز اليدوي وإدارة المفوضية من قبل قضاة وتعديلات قانون الانتخابات ومشاغل أخرى.
أقول بين هذا وذاك تأتي مباريات كأس العالم لكرة القدم لتخفف نوعاً ما عن كاهل المواطنين، وفي الوقت ذاته تترك في نفوسهم غصة على ما فات أسود الرافدين من فرصة للمشاركة، لكن وهذا مؤكد، إن المواطن العراقي لا أقول يحسد وإنما يغبط الشعوب التي تعيش حياة طبيعية وتتوافد على ملاعب روسيا لتشجيع منتخباتها الوطنية، شعوب تتمتع بحرية في السفر وتشارك في كرنفال فرح إنساني وتستمتع بوقتها، وما من مواطن إلا وتمنى أن يكون على مدرجات أي ملعب هناك.
لماذا مكتوب علينا أن نعيش كل هذا الحرمان؟!
لماذا لا تمر انتخاباتنا بسلام؟
وتتشكل حكوماتنا أسوة بدول العالم بانتقال سلمي سلس للسلطة؟
لماذا لا نتحاور وننسجم ونتفق ونؤثر مصلحة البلاد على مصالحنا الذاتية والجهوية؟
لماذا كلٌّ يرى نفسه منقذاً وهو في الواقع لا يفكر إلا بما سيحصل عليه من سطوة وامتيازات؟
لماذا أصبح معيار الوطنية عندنا محسوباً بمدى الولاء للسعودية أو لإيران؟
لماذا يصادر بعضهم كل منجزات الحشد الشعبي الذي كانت له اليد الطولى بتحرير العراق من دنس داعش، ويختزل كل تجربته البطولية الفذة بالولاء لإيران؟
مقابل الصمت على ساسة لعبوا أدواراً قذرة في دعم منصات الفتنة والتمهيد للغزو الداعشي، متى تكون لنا نظرة موضوعية متوازنة لبناء علاقات بناءة مع الطرفين، وأن نكون عنصر توازن بين قوتين إقليميتين قد يُدخلان المنطقة بصراعات أكثر خطورة مما هي عليه الآن، وهناك من يغذي هذه الصراعات بمثابة جزء من استراتيجيات الحفاظ على المصالح.
لماذا لا تتشكل حكومة عراقية إلا بالتوافق الدولي والإقليمي؟
أين غابت الإرادة الوطنية؟
والواقع إن أية حكومة موالية لأي طرف لن تكون بصالحنا، ولو أن المجتمع الدولي يريد حقاً استتباب الأمن في المنطقة وإنهاء صراعاتها لاتخذ من العراق قوة وسطية للتقارب بين دول الجوار، لا سيما أن انتصاراتنا على داعش أعطت انطباعاً جيداً عن إمكانية إعادة بناء عراق قوي مؤثر، وقادر على لعب دور تاريخي في المنطقة، وهذا لا يتم إلا بعد أن نتجاوز صراعاتنا الداخلية لبناء دولة مؤسسات لا دولة كتل وطوائف أو دويلات.