من منا لا يعرف الحسين عليه السلام تاريخاً وقضية؟
من منا لا يؤمن به ويعشقه بطلاً ثائراً وإماماً مصلحاً؟
من منا لم تخنقه العبرات وهو يسترجع حوادث عاشوراء وما جرى على الحسين وأهل بيته وأصحابه من ظلم وقسوة وإرهاب بلغ حد حرمان الطفل الرضيع من الماء؟
من منا لا يؤمن بمنهج الخروج على الطغيان والاستبداد والفساد؟ من منا يتردد في إدانة تلك الجريمة النكراء التي حدثت في العاشر من محرم من العام 61 للهجرة، بوصفها من أبشع مذابح التاريخ، تجسدت فيها كل مظاهر الخسة والوضاعة والجبن لكل سلطة غاشمة، مقابل كل قيم البطولة والإباء والكرامة للحسين ومن معه، ومثلما جسد ذلك اليوم نسق التسلط بأقبح صوره، أنتج بالمقابل أنساقاً قيمية للثورة والتنوير ونبذ الخنوع للسلطة المستبدة، لكن كم منا من يمتلك الاستعداد الحسيني للشهادة من أجل الإصلاح؟
في العالم قديمه وحديثه هناك الكثير ممن تصدوا للظلم، ولاقوا مصير الحسين في القتل، أفراداً وجماعات، لكن لقضية الحسين مؤشرات مختلفة، ليس من باب التقديس لشخص الحسين ومكانته الروحية وسيرته فحسب، وإنما لاعتبارات فكرية ودينية وإنسانية عديدة، فالحسين بعد معرفته بمقتل سفيره مسلم بن عقيل لأهل الكوفة، لم يتراجع عن قضيته، وهذا مؤشر أول بأنه لم يعتد بالآخرين سالكاً طريق الحق ولم يستوحشه لقلة سالكيه، ولم يتراجع حين قيل له إنك ذاهب لقوم قلوبهم معك وسيوفهم عليك، ولم يتراجع حين حاصره الحر بن يزيد الرياحي قبل وصوله لكربلاء فما هذا الإصرار العجيب؟
نريد القول بأن فرصاً عديدة توفرت له للتراجع أو للنجاة.
ثورة الحسين لم تنتج نسقاً لجلد الذات وتبكيت الضمير في حقيقتها، وإن أعقبتها ردة فعل من هذا النوع في ثورة التوابين، لكنها وبصورة مخطط لها أنتجت خريطة طريق لمفهوم الثورة والإصلاح، تحاور مع الأعداء بمنظومة قيمية، دفاعاً عن الدين والأخلاق والقيم الإنسانية، مستصحباً مختلف فئات المجتمع، الأخوة والأبناء وأبناء الأخ وأبناء العم والأخوات والزوجات والبنات والأصحاب والمريدين، شارك في ثورة الحسين الصحابي الكهل حبيب بن مظاهر الأسدي والشباب والصبيان، واستمالت من كان عدواً الحر الرياحي، وشارك فيها النصراني وهب، والزنجي جون، والمرأة العجوز أم وهب، والطفل الرضيع عبد الله، والمريض زين العابدين، وصناديد العرب والإسلام العباس وأشقاؤه وبقية الأصحاب، ولما كان المرض يدخر السجاد لدور آخر، انبرت المرأة سليلة بيت النبوة الحوراء زينب لحمل لواء الثورة وراحت تؤلب الناس ضد الظلم والطغيان، وهي صاحبة الخطب الشهيرة في الكوفة وفي مجلس يزيد حين أسقطت عنه شرعيته وسلبته اعتباره، فأين نحن من ثورة الحسين في عصر التكالب على المنافع والخضوع للسلاطين وإفساد البلاد والعباد وتبديد ثروات الشعوب وزجهم في حروب وصراعات دموية لإذلالهم وإخضاعهم حفاظاً على نسق الاستبداد اليزيدي نفسه؟!
ومتى يكون الحسين نهجاً وفكراً وسلوكاً وخلقاً للمؤمنين بثورته؟