أحداث متسارعة متوالية غيرت خلال أشهر ثوابت استراتيجية كثيرة في العالم، وإذا كنا مولعين بالتوقيتات، فلنقل إنها تزامنت مع انتصار العراقيين على عصابات داعش الإرهابية، لعل أكثرها استفزازاً نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، فهل هذا تسريع لإقرار حل الدولتين واتخاذ القدس عاصمة مشتركة أم هو تخريب لكل الحلول؟! وهناك سؤال مهم:
لم لا تنقل بعض الدول التي لديها سفارات أو قنصليات أو ممثليات مع السلطة الفلسطينية مكاتبها إلى القدس الشرقية، غالبية السفارات في القاهرة ودمشق وعمان، غالبية البعثات أو الممثليات في رام الله وغزة والضفة الغربية، مصر والأردن والإمارات العربية وقطر لديها ممثليات في رام الله.
الحدث الآخر الذي أعقب الانتصار العراقي، هو إلغاء الاتفاق النووي مع إيران ومن ثم معاقبتها بحصار اقتصادي، ثم الإلحاح على السعودية لحل قضية الحرب على اليمن، ومحاولة الضغط والتلويح بقضية مقتل الصحفي (جمال خاشقجي).
زيارة ترامب غير المسبوقة للقوات الأميركية المتواجدة في قاعدة الأسد في الرمادي ليلة أعياد رأس السنة، وما أثير بشأنها من لغط على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا بالتزامن مع إعلان ترامب عن سحب القوات الأميركية من سورية.
وبعد أسبوعين يحط مايك بومبيو وزير الخارجية ألأميركية رحاله في بغداد ثم أربيل قادماً من الأردن، ثم التوجه إلى القاهرة، ومن المزمع أن يكمل جولته الإقليمية في دول الخليج، ثم زيارة عمر الرزاز رئيس الحكومة الأردنية التي مهدت لزيارة الملك عبد الله للعراق.
وهذا الحراك الدبلوماسي المتزامن مع الانسحاب الأميركي من سورية وتحركات لقطعات بحرية في الخليج العربي ومحاولة تهدئة الأوضاع في اليمن من جهة وتطمين أكراد سورية من هجوم تركي من جهة ثانية، ليس بالحراك الطبيعي، إنما تكمن وراءه على ما يبدو تحولات استراتيجية في المنطقة، لا سيما أن الحديث عن تضييق الخناق على فصائل الحشد الشعبي وتحديد حركته ووجوده بلغ أوجه.
وكل المؤشرات تنبئ باحتمال ضربة عسكرية لإيران، لأن أميركا في هذا الوقت مشغولة بترتيب المواقف وتنسيق ردات الفعل إقليمياً، وليس أمامها سوى تحديد ساعة الصفر، والسؤال المهم هنا:
ما موقف العراق بالضبط؟
ما مساحة التقاطعات أو التوافقات مع أي مخطط أميركي يقلب موازين المنطقة؟
نتمنى ألا يحدث ذلك، ونتمنى على العراق أن يكون حذراً في التعاطي مع أزمات من هذا النوع، فالظرف لا يسمح له أن يكون حمامة سلام لتسوية الخلافات والصراعات في المنطقة، كما لا يسمح له أن يكون ماشة نار، وهذه القضية تثير أسئلة كثيرة:
فهل فكرنا بمستقبل بلادنا في حال اندلاع حرب جديدة في الخليج- لا سمح الله-؟
ماذا سيكون موقف العراق إذا تم فعلاً ضرب إيران؟
ما السياسة الاستراتيجية التي تحمي أمننا الوطني في ظل هكذا تطورات؟
ما موقع العراق في مخططات ما بعد داعش؟