قصص كثيرة نسمعها عن الفساد تذكرنا ببعض الأفلام المصرية القديمة التي كنا نستهجن موضوعاتها، واليوم بتنا نسمع ما هو أغرب منها، موازنة 2019 كما أشيع في الإعلام تتضمن دعماً للقطاع الخاص، وهناك تسهيلات أعلن عنها للمستثمرين، هذه إجراءات سليمة، وبإمكان القطاع الخاص لو أتيحت له فرص حقيقية لأسهم بانتعاش الاقتصاد الوطني، أما القطاع الزراعي الذي أسهم بعض المتنفذين بتخريبه لضمان تدفق الاستيراد من دول الجوار، فيحتاج وقفة حقيقية، إذ ما زلنا نستورد أبسط المنتجات الزراعية، هناك إهمال واضح للمنتج المحلي، وتحديات لا بد من مواجهتها بحزم.
روى لي صديق أثق به كثيراً وهو مهندس كيمياوي متقاعد، ذهب إلى عمان ليعمل مهندساً استشارياً في معمل لصناعة الأصباغ يمتلكه أحد أصدقائه، وكان يصدر للعراق كميات هائلة، يقول صديقي:
فكر صاحب المصنع أن يخدم بلده فافتتح مصنعاً في كردستان العراق، لكنه مع أول شاحنة متوجهة إلى بغداد فكر بإغلاق مصنعه، إذ أوقفت إحدى السيطرات تلك الشاحنة لتساوم سائقها على المرور بدفع مبلغ قدره (2500$) ألفان وخمسمائة دولار أميركي لكل شاحنة تعبر إلى بغداد، فكر أن يجعل مصنعه ذاك خاصاً بالمنطقة الشمالية، ليفتتح مصنعاً قريباً من بغداد، وقد تم ذلك بالفعل، وأصبح صديقي مديراً لذلك المصنع الذي يقع في منطقة (عويريج).
وما أن بدأت عجلة الإنتاج بالدوران حتى اقتحمت المصنع مجموعة مسلحة تطلب منهم (40000$) أربعين ألف دولار أميركي، بحجج واهية، وتحت تهديد السلاح، متوعدين بنسف المصنع الذي يضم حوالي أربعين عاملاً وتعتاش عليه أربعون أسرة، وبعد التي واللتيا اتصلوا بأحد قادة الجماعات المسلحة المعروفين في منطقة (أبو دشير) فتوسط لدى تلك الجماعة ليخفض المبلغ إلى (20000$) عشرين ألف دولار، قام صاحب المصنع بالدفع صاغراً حفاظاً على مصنعه وعلى أرواح العاملين فيه، وما هي إلا أيام- والحديث لصاحبي المهندس المتقاعد- حتى دخلت إلى المصنع مجموعة ضباط برفقة قوات من إحدى التشكيلات الأمنية فطالبونا بحصة بحجة أنهم قائمون على حمايتنا، فدفعنا مبلغاً، بعد أيام دخلت قوة من تشكيل آخر فاشترطوا أن نحدد لهم رواتب لكونهم ساهرون على حمايتنا، وهكذا أصبحنا مرغمين على دفع الأتاوات لمختلف الجهات، وتساءل صاحبي الذي طلب مني نشر هذه القصة:
أهكذا يتم تشجيع المنتج الوطني؟!
إن بعض السلوكيات غير المسؤولة لبعض الرتب في الأجهزة الأمنية تحط من هيبة القانون والدولة، وتسهم بالتخريب الاقتصادي، فعلى ما رواه صاحبي من سيفكر بالإقدام على المجازفة بثروته لإقامة مشاريع إنتاجية تساعد على احتواء الكثير من العاطلين عن العمل وتوفير سبل العيش لبعض الأسر الفقيرة، وتوفير سلع محلية جيدة الصنع تضاهي المستوردة وبثمن أقل؟
كما تحد من تدفق العملة الصعبة إلى الخارج؟
المال جبان كما يقال، يبحث عن فرص للاستثمار والربح بأمان، فهل تستطيع الحكومة الجديدة أن توفر بيئة آمنة للمستثمرين؟