قد تكون حزمة القرارات الجريئة التي اتخذها السيد رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي، أسرع استجابة حكومية لمطالب متظاهرين في العالم، وهذه القرارات ليست وليدة اللحظة كما يبدو، وإنما هي مخاض عسير لتفاعل سياسي حقيقي مع حراك شعبي حقيقي، وأعتقد بأنها خطة مدروسة كان تنفيذها يحتاج إلى إشارة، والإشارة انطلقت من ساحة التحرير لتجد صداها في بقية محافظاتنا العزيزة، ولولا مباركة المرجعية الرشيدة، وهي الحلقة الأهم في الحراك، لما حظيت بقبول المتضررين أنفسهم، فالجميع يدرك بأن صوت المرجعية يمكن أن يحشد ملايين العراقيين، بما لا يتناسب وحجم القوى الأخرى، إذا ما فكرت إحدى القوى برفض قرارات الإصلاح.
الإصلاحات ليست قراراً انفعالياً آنياً، ولم تكن مجرد ردة فعل لاحتواء المظاهرات، بل هي خيار عقلاني في تخليص مفاصل الدولة الرئيسة من الترهل وتعدد المسؤوليات ومن المناصب الشرفية والإرضائية التي فرضتها آليات التوافق والشراكة(المحاصصة) وهذا لا يعني بأن نواب رئيسي الجمهورية والوزراء تحوم حولهم شبهات فساد بالضرورة، ليس دفاعاً عن أحد، لكن الأمر بداية يأتي في إطار ترشيق مفاصل الدولة، وهي إشارة نافذة لكل مؤسسات الدولة للتخفيف عن كاهل الأجهزة الإدارية، والتخلص من الحلقات الزائدة التي تفضي إلى مزيد من الروتين وعرقلة سير العمل المؤسساتي.
ليكن فهمنا للقرارات فهماً موضوعياً، بكونها لا تستهدف أشخاصاً أو مكونات أو كتلاً سياسية، بل تستهدف عناوين وظيفية لا تضيف أضرت بالعملية السياسية وزادتها تعقيداً، وما هي إلا دعوة لترشيق أجهزة الدولة ابتداءً من قمة الهرم نزولاً إلى القاعدة، وهذا يعني بأن القرارات نافذة لتشمل جميع الحلقات الزائدة، من مستشارين فائضين عن الحاجة ومناصب(فضائية) استحدثت للمقربين، بعض مؤسسات الدولة تعاني من تمديد الخدمة لبعض الذين استحقوا الإحالة على التقاعد مجاملة ومحسوبية، المصيبة أن بينهم بعثيين من ذوي السمعة السيئة ومن كتبة التقارير والانتهازيين الذين ركبوا الموجة مستغلين وجود قريب أو صديق لهم في منصب رفيع، وبعضهم فاسدون وعديمو الكفاءة، ويحاولون تعويض سوء إدارتهم وتردي كفاءتهم بأساليب التعسف الوظيفي، على الطريقة البعثية المقيتة، هذا مقابل بعض مراهقي السياسة من صبيان الأحزاب والكتل ذات النفوذ ممن لا يجيدون سوى فرض هيمنتهم على بعض المؤسسات بقوة الأحزاب والميليشيات التي ينتمون إليها، وللأسف الشديد في الوقت الذي تخوض فيه قواتنا الأمنية معارك الشرف والكرامة ضد عصابات داعش، نجد بعض الفاسدين ينعمون بالامتيازات، ولولا وجود بعض الفاسدين في الأجهزة الأمنية لما تمكن الكثير من الإرهابيين من التسلل إلى مدننا الآمنة، ولما مرت العربات محملة بالمتفجرات، ولما حصل بعض الإرهابيين على أرقام سيارات مزورة وهويات حمل رسمية للسلاح، والمواطن العراقي البسيط قبل السياسي أدرى بحجم الفساد، وكلنا أمل بثورة الإصلاحات بمثابة فرصة أخيرة لتصحيح المسارات.