في زيارتي الأخيرة لجمهورية مصر قبل حوالي أسبوعين، شعرت أن النظرة السابقة للتجربة العراقية آخذة بالتغير، بعض المواطنين البسطاء ما يزالون يترحمون على الطاغية المقبور، وحين تقترب منهم وتوضح لهم الصورة، وتثبت لهم بالوقائع مدى إجرامه وتهوره وزج البلد في حروب مدمرة لا طائل منها وتبديد ثرواته، يتراجع وأحيانا يصدم بسماع بعض الحقائق، وبعضهم تشم من كلامه رائحة الطائفية النتنة، فتضطر أيضاً لتصحيح الصورة في ذهنه، وتحاول إقناعه بأن العراقيين موحدون ضد الإرهاب والتطرف والطائفية وبينهم مصاهرات وعلاقات اجتماعية راسخة، بعضهم يعي أن المقبور صدام كان سبباً من أسباب زعزعة أمن المنطقة واختلاط الأوراق واندلاع الصراعات ومن ثم تمدد النفوذ العسكري الأميركي والهيمنة الإسرائيلية على حساب المصالح العربية، مصر التي يبلغ تعدادها أكثر من (100 مليون نسمة) وهم على العموم شعب طيب يحب العراق والعراقيين لأسباب كثيرة، لا نملك إعلاماً كافياً لإزالة الغموض الذي يكتنف الصورة الحقيقية لعراق ما بعد صدام.
العراق أسوة بالعديد من البلدان التي تعاني من الفساد وتبعات الإرهاب وضعف الأداء ومتراكمات الانتقال من نظام شمولي دكتاتوري وحكم أحادي إلى نظام ديمقراطي تعددي، ولا نريد تلميع صورة أحد، بل غايتنا تصحيح النظرة القاصرة لدى الأخوة العرب الذين رسمت في أذهانهم صورة بطولية مغلوطة ومزيفة للطاغية المقبور، مقابل صورة مشوهة للشعب العراقي ولإثنياته ومعتقداته، ولحقيقة الإرهاب الذي عانى منه شعبنا بمختلف أطيافه، ومن يحاول تحليل بعض الآراء يتيقن بأن هناك تشويهاً مبرمجاً تضخه بعض وسائل الإعلام المعادية للعراق.
الكثير من الأخوة المصريين يتمنون الاستقرار للعراق، ويمنون أنفسهم بزيارته أو البحث عن فرص للعمل فيه، والكثير منهم يدركون الأهمية التاريخية والحضارية للعراق، ويتغنون بثقافته وفنونه، على مختلف مستويات الأدب والنقد والفكر والمسرح والفنون التشكيلية والموسيقية، ويستقبلون العراقي بمنتهى الاحترام والكرم، ومصر تستقبل آلاف السياح العرب والأجانب يومياً، ويقيم فيها عدد ليس قليل من العراقيين والعرب، وعن طريق صديقي الفنان(راسم منصور) المقيم في القاهرة تعرفت على الفنان المصري المخرج والممثل إميل شوقي، والفنان السعودي ميثم رزق والفنانة التونسية سناء حافظ، مثلما التقيت عدداً كبيراً من الإعلاميين المصريين في الأمسية التي أقامتها لي النقابة بتنسيق من الشاعرة جيهان محمد حسن، وكانت أجواء احتفائية بالشعر العراقي والثقافة العراقية التي فشلنا في تسويقها بصورة صحيحة لترسيخ هويتنا، وفي إحدى الليالي جاء صديقنا الفنان السعودي مستبشراً بما قدمته السعودية من منحة مالية وبناء ملعب لكرة القدم متفائلاً لأنه سيزور العراق متى شاء إذا تحسنت العلاقات وأزيلت العقبات، وتحدثنا عن مشاريع ثقافية عربية مشتركة.
وهنا أتساءل عن دور الاتفاقيات الثقافية التي يعقدها العراق مع الدول العربية، ترى ما الذي حققته؟ ولماذا لا تتاح الفرصة لإقامة فعاليات ومشاريع ثقافية وإعلامية مشتركة تسوُّق الصورة الناصعة للعراق بدلاً عن الصورة المشوهة؟