من هو شرطي الخليج؟
لم تطلق هذه الصفة إلا على شاه إيران الذي انهار حكمه بعد الثورة الإيرانية 1979، وبقي هذا المنصب شاغراً، إلا أن الإدارة الأميركية وحلفاءها في المنطقة، ممن دفعوا باتجاه اجتياح إيران ووقف ما يسمى بتصدير الثورة، ورطوا المقبور صدام حسين، بحسب اعترافه إبان هزيمته في الكويت، وربما خيل إليه بأنه سيشغل تلك الوظيفة، لا نستبعد أن تكون الإدارة الأميركية قد فكرت به، أو لوحت بذلك، لكن صدام لم يكن الشخص المناسب للعب ذلك الدور، لقد تنافست كل من السعودية وقطر، على لعب دور البطولة، قطر بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل وقاعدة السيلية وأموالها، والسعودية بتصعيد عدائها لإيران، بوصفها العدو الأول لأميركا، وبمالها ونفطها وشرائها للأسلحة، ومنافسة إيران على أي نفوذ في المنطقة، لكن الإدارة الأميركية تبحث عمن يخوض حروباً حقيقية نيابة عنها، وهو ما لا تصلح له السعودية ولا قطر ولا أية دولة من دويلات الخليج الأخرى، وهنا بحسب تقديرنا فكرت أميركا بالعراق بوصفه البديل الملائم للعب الدور في مسلسل حماية المصالح الأميركية وأمن إسرائيل، في منطقة حيوية تطفو على آبار من النفط والغاز والمعادن والطاقات البشرية والممكنات الاقتصادية كمنطقة الخليج، لكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن كما يقول المتنبي.
عندما أحست السعودية بأنها ليست المؤهلة للدور، استجمعت كل قواها لمد أذرع التخريب للتجربة العراقية التي كان مقدراً لها أن تنهض بوصفها تجربة ديمقراطية لبلد يتمتع بالكثير من الإمكانات المادية والبشرية، فعملت منذ اللحظة الأولى على عزله عربياً، بحجج واهية، تتعلق بالنفوذ الإيراني والهوية الطائفية للحكام الجدد، وأطلقت عنان الجماعات التكفيرية ومشايخ الفتنة بفتاواهم الدموية التي أعلنت الجهاد في العراق وبقية القصة المعروفة، بعد ذلك لا بد أن تثبت لأسيادها بأنها قادرة على خوض الحروب، فراحت تجرب قوتها في شعب البحرين الأعزل، بعد أن أوغلت في اضطهاد أبناء الإحساء والقطيف، واليوم تقود تحالفاً ضد شعب اليمن، وتطرح نفسها عراباً لحل مشاكل المنطقة.
السعودية التي تحكم على ناشطين سعوديين بالسجن لمدة عشر سنوات، لمجرد أنهما فكرا بتأسيس منظمة لحماية حقوق الإنسان، تصبح عضواً في جمعية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ولا أحد يعترض على إصدارها حكماً بالإعدام على رجل الدين المعارض (نمر النمر)، وتحاول فرض رأيها في تنحي الأسد مقابل حل سياسي في سوريا، وتحاول فرض عميلها الذي سلطته على أهل اليمن، وتتدخل في العراق، ولبنان، ومصر، وغيرها من الدول، وكأنها صدقت بكونها أجادت الدور الذي لا يزال محط أنظار البعض.
مشكلة العراق طبعاً ليست في السعودية لوحدها، بل بمن يواليها من سياسي العراق، ومن يعرقل مسيرة بناء الدولة العراقية تنفيذاً لأجندتها، فإذا كانت روسيا قد قصمت ظهر أتباعها في سوريا، فهي الآن تريد الخروج من هذا المأزق بأي ثمن، لعلها تحفظ ما تبقى من ماء وجهها في اليمن، إذ تراجعت تدريجياً عن مطلب تنحي الأسد، والأسئلة المهمة في هذا المتن هي: هل أجادت السعودية دورها فعلاً؟ هل حققت حلمها؟
وما هو مقدار فرصة العراق في استعادة دوره الحقيقي الذي يمكن أن يكبح جماح هذا المارد الإقليمي الذي استفحل في ظل غياب القوى الحقيقية من جهة، وتواطؤ الإدارة الأميركية من جهة ثانية؟
وهل أميركا وجدت في السعودية، التي لم تشارك بجندي واحد بما يسمى معارك المصير العربي ضد إسرائيل، ضالتها أو ممثلها المجسد لدور شرطي الخليج؟
أم أنها لا تزال في طور الاختبار؟!