"عاجل.. البرلمان يصوت بالإجماع على سحب تفويض العبادي" هذا ما تناقلته العديد من وكالات الأنباء والقنوات الفضائية، وقد بنت بعض تلك القنوات على ذلك الخبر وراحت تحلل وتتكهن بين مؤيد ومعارض، وفي الوقت ذاته نفى عدد من أعضاء مجلس النواب هذا الخبر، مؤكدين أن المجلس اتخذ قراراً يحد من تجاوز السلطتين القضائية والتنفيذية على مهامه التشريعية والرقابية، بينما أكد آخرون كون البرلمان يحتفظ بحقه، ويدعم الإصلاحات بما ينسجم والدستور، وأنه يتيح لأعضائه حق ممارسة دورهم الرقابي، وللقضية عدة احتمالات، منها إن البرلمان الذي منح تفويضاً بإجراء الإصلاحات يريد أن يبقى على ود مع المتظاهرين بعد أن حاول استمالتهم بذلك التفويض، فأصدر قراراً يحد ضمناً من صلاحيات رئيس الوزراء، وبهذا يكون بعض المتضررين من الإصلاحات ممن يلوحون بسحب التفويض أو الثقة، فتح لهم باب للعودة إلى مناصبهم، وهناك اعتراضات على دمج وزارة السياحة والآثار بوزارة الثقافة، وإلغاء وزارة حقوق الإنسان، ولا يزال البعض يرى بأن إلغاء مناصب نواب رئيسي الجمهورية والوزراء ليس من صلاحيات العبادي.
هناك قوانين تم تشريعها لا يمكن أن تلغى أو تعدل إلا بقوانين أو تعديلات تشريعية، وثمة وجه حق بالاعتراض على إلغاء القوانين بقررات كسلم الرواتب وقانون الخدمة الجامعية وغيرهما، والأجدى أن يتم تعديل تلك القوانين تحت قبة البرلمان، فرئيس الوزراء وجد نفسه أمام مأزقين، الأول هو نسف المحاصصة بإلغاء بعض الاستحقاقات التي أملتها العملية السياسية بقوة وتحرص الكتل السياسية على ديمومتها، وليس من السهل نسفها بجرة قلم، الثاني هو إلغاء القوانين التشريعية بقررات تنفيذية.
البرلمان يطلب من الحكومة صراحة عدم اتخاذ أي إجراء بدون علم مسبق، وهذا يعني بأن الحكومة لم تعد مفوضة بشيء، خارج ما يقره البرلمان بعد توافق الكتل السياسية، وكأننا عدنا إلى نقطة الصفر، قد تكون مطالب البرلمان مشروعة على وفق الدستور ومبدأ الفصل بين السلطات، لكن هل البرلمان نفسه لم يحاول التمدد أو التجاوز على صلاحيات السلطتين التنفيذية والقضائية؟ فلدى المواطن العراقي لبس نتمنى أن نجد له جواباً، البرلمان يضطلع بمهمتي التشريع والرقابة، التشريع أمر واضح، ومقنن دستورياً والعمل قائم على وفق القوانين والصلاحيات الممنوحة وبآليات محددة ومعروفة، لكن ما مساحة الرقابة؟ هل تكون بتلقي الشكاوى من المواطنين والمعنيين؟
أم بالتدخل المباشر للجان أم بالتنسيق؟
وهل من حق البرلمان مساءلة المخالفين ومعاقبتهم أم ينتهي دوره عند جمع الأدلة التي تتيح له إحالة المخالف للقضاء؟
التداخل بين السلطات حالة قائمة، بل إن تمدد بعض الكتل أو تأثيرات رؤسائها على السلطتين التفيذية والتشريعية هو الحاصل وليس العكس، وواقع الحال إننا ننتظر إصلاحات فاعلة على مستوى استعادة الأموال المهربة ومحاكمة المفسدين، والعمل بالتعريفة الكمركية، وبفرض بدل مالي لتأشيرة الدخول، وإعادة الحياة للصناعات المحلية، وإحياء القطاع الزراعي، ومكافحة عمليات غسيل الأموال، وخروج العملة الصعبة لاستيراد ما يمكن تعويضه محلياً، والاستغناء عن المولدات الكهربائية بإعادة الكهرباء الوطنية مقابل أجور، وتحسين شبكات مياه الشرب مقابل أجور، وتوظيف عائدات هيئة الاتصالات وغيرها، وتفعيل النظام الضريبي، وفتح آفاق الاستثمار، واستثمار المعادن الأخرى كالحديد والفوسفات والكبريت وسواها، واستثمار الغاز، وإعادة الحياة لبعض مصانع العتاد بدل استيراده، ونحن بأمس الحاجة إليه في معركتنا المصيرية ضد داعش ومثيلاتها، وأعتقد هناك منافذ كثيرة لدعم واردات البلد بدل الاقتراض أو تخفيض رواتب الموظفين، باستثناء رواتب الدرجات الخاصة والخاصة جداً، ومخصصات المسؤولين، وجيش المتقاعدين ممن لم يخدموا سوى بضعة أشهر أو بضع سنين.