ليس جديداً أن تقوم تركيا بانتهاك للسيادة العراقية، فقد تكررت تدخلاتها السافرة بأساليب وطرق متعددة، ابتداءً من إيوائها للإرهابيين الذين صدرت بحقهم أحكاماً قضائية، وإقامة المؤتمرات المعادية للعراق، مروراً بتوغلها براً وجواً لملاحقة مقاتلي حزب العمال، وزيارة وزير خارجيتها لمحافظة كركوك بدون إذن من الحكومة الاتحادية، ولقد توجت سياستها العدوانية بشراء النفط المهرب من عصابات داعش وتزويدها بالسلاح وتسهيل دخول الدواعش عبر حدودها للعراق وسوريا، وليس انتهاء باقتحام ثلاثة أفواج مدرعة، الغريب في الأمر إن التصريحات التركية بدت مرتبكة ومتناقضة، وفي حالة تدعو للسخرية، فمرة يدَّعون بأن قواتهم دخلت بطلب من رئيس الحكومة العراقية، والرجل قد نفى مطلقاً أن يكون الأمر بطلب منه أو بعلمه، ومرة يدَّعون بأن هناك اتفاقاً سابقاً يسمح بهذا العمل، ومرة يرمون الكرة بساحة وزير الدفاع العراقي الذي نفى بدوره أي اتفاق، وأخرى يدَّعون بأن قواتهم موجودة لأغراض تدريبية، أو جاءت بصورة مشروعة لحماية مستشاريها ومدربيها، وآخرها ادّعاؤهم بأنهم أرسلوا القوات بناءً على طلب محافظ نينوى السابق، مبرراتهم وادّاعاءاتهم هذه لا تقل مراوغة وكذباً وسخافة عن مبرراتهم في إسقاط الطائرة الروسية التي دفعوا وسيدفعون ثمنها باهظاً.
في الوقت الذي تكتفي فيه الجامعة العربية بالاستنكار، تطلب روسيا اجتماعاً عاجلاً لمجلس الأمن لمناقشة التواجد العسكري التركي في العراق، والحكومة العراقية تمهل تركيا(48 ساعة) وصرحت الخارجية بأنها ستلجأ لمجلس الأمن، وبصرف النظر عن اشتباكات الداخل العراقي، نرى بأن التدخل التركي تحت أي مسمى ستكون له عواقب وخيمة لا تصب بمصلحة أي مكون عراقي، وهذا التدخل تحديداً ما هو إلا بداية لأزمة الغاية منها عرقلة مهام القوات العراقية وإطالة أمد المعركة أو إرجاء تحرير الأراضي العراقية من داعش قدر المستطاع لتحقيق مصالح تركية سياسية واقتصادية، لعل أهمها ضمان استمرار النفط المهرب من داعش، والعمل على التمهيد لإقامة ما يسمى بالإقليم السني، أو إقليم الموصل تحت رعاية تركيا مقابل التنازل عن بعض المناطق لإقليم كردستان، وبالاتفاق مع مسعود بارزاني وآل النجيفي والمجرم الهارب طارق الهاشمي، وذلك تجسيداً للنزعة الأردوغانية الحالمة باسترداد ولاية الموصل التي طالبت بها تركيا في وقت سابق وانتزعها المرحوم نوري السعيد بحنكته السياسية بضغط بريطاني، وهنا نتساءل:
هل نحتاج ضغطاً أميركياً أو دولياً لإزالة شبح الكابوس التركي الذي يحاول أن يبسط أجنحة الشر مجدداً بذريعة حماية المكون السني والأقلية التركمانية؟
متى تعي حكومة إقليم كردستان بأن تركيا هي العدو التاريخي لا لإقامة دولة كوردية فحسب، وإنما لفكرة حكم ذاتي أو فيدرالي كردي في المنطقة؟
يبدو أن كلاً من البارزاني وأردوغان يلعبان بالنار بدون احتساب للعواقب، فتحرير الرمادي قاب قوسين أو أدنى، وهذا ما سيمهد الطريق لتحرير الموصل، والضربات الروسية لداعش في سوريا عجلت بانهيار قوتها، وهذا يعني إن تركيا الراعية والحامية والداعمة والمتسترة والمستفيدة ستكون خياراً اضطرارياً لداعش ولن يكون إقليم كردستان بمأمن من شرها، وفي خضم ذلك هناك تساؤلات عديدة: ماذا سيكون موقف إيران مما أقدمت عليه تركيا؟
وماذا سيكون الموقف الروسي؟
علماً أن روسيا كانت تخطط بصورة وأخرى لملاحقة داعش في الموصل إذا ما قضت عليهم في سوريا، وما موقف الولايات الإدارة الأميركية المرتبطة مع العراق باتفاقية إطارية وأمنية؟
وما موقف التحالف الدولي الذي تقوده؟
ومع تصاعد اللهجة الأوربية ضد السعودية ومذهبها الوهابي الذي وفَّر حاضنة فكرية لداعش، نعتقد بأن تركيا المتطلعة نحو الاتحاد الأوربي تحاول أن توهم العالم بمحاربة الإرهاب، لكنها في الواقع تسعى لسد الفراغ الذي يمكن أن تتركه السعودية إذا ما استجابت ولو مؤقتاً للضغوطات الأوربية، لكن لعبتها انكشفت سريعا هذه المرة، لأنها لم تنهض بعد مأزق الطائرة الروسية الذي أحرج موقفها أمام العالم.