خلال عملي الصحفي 60 عاما تعرفت على العديد من الفنانين والفنانات لكن (فخرية عبد الكريم) تبقى الاعز.
فخرية عبد الكريم هي الفنانة الكبيرة (زينب) التي استحقت أن نطلق عليها لقب (فنانة الشعب).
في العام 1956 كنت اعمل في جريدة الشعب في العهد الملكي محررا وكاتب تحقيقات منذ ان التحقت بالجريدة خريف ذلك العام اضافة الى تحرير صفحة المرأة حيث كنت أكتب مقالات تدعو إلى حرية المرأة ومنحها حقوقها باسم نسائي هو [احلام البدري]. في أحد مقالات أحلام البدري اشدت بشجاعة معلمة في الحلة قرأت شكوى نشرناها للفنان الصديق الراحل يوسف العاني من قلة العنصر النسائي في فن التمثيل، ما دعاها إلى مكاتبته مدفوعة بحبها لهذا الفن وتم اختيارها لبطولة فلم سعيد افندي من بين عشر نساء تقدمن للاختبار. ذلك المقال نشر يوم 5-9 بعنوان (المرأة والفن). وفي 19-9 نشر مقال لي بعنوان (الفن النسائي بخير) في 21-10 نشرت صحيفة الزمان مقالا باسم زينب تناقش ماكتبته.
في 29-10 نشرت في صحيفة الشعب مقالا بعنوان (فقاعة صغيرة) ردا على مقال زينب في 14-11 التحقت بصحيفة الشعب محررا بعد ان أبلغتهم أنني كنت أكتب مقالات باسم (احلام البدري) وارسلها بالبريد بعد ذلك بايام جاءت الى الجريدة امرأة بعباءة اهل الجنوب قيل لي انها تريد مقابلة أحلام البدري وان اسمها فخرية عبد الكريم.
جاءت زينب لتشكر أحلام البدري على المقالات التي كنت اكتبها باسم احلام البدري مشيدا بشجاعة المعلمة (فخرية) متخطية كل القيود التي كان المجتمع يفرضها على النساء.
ومنذ ذلك اللقاء توطدت صداقتنا سنوات عديدة الى ان هاجرت من العراق مرغمة بسبب نشاطها السياسي.
ولدت الفنانة فخرية عبد الكريم (زينب) في قضاء الشطرة عام 1931، وعملت معلمة في الحلة لحين فصلها قبل ثورة 14 تموز 1958 بسبب نشاطها السياسي.
وظلت زينب تأتي من الحلة تشكي لي همومها وتحكي لي عن تطلعاتها في مجال الفن وكانت ترسل لي رسائل معنونة الى احلام البدري كما في الصورة التي كتبت عليها اهداء:
" الى العزيزة احلام مع اعجابي وتقديري" وقد تألمت هي كثيرا لاهمالها في حفل العرض الأول لفيلم سعيد افندي اذ ان مخرج الفيلم كاميران حسني قدم زوجته الاجنبية عليها ولم يكن الفنان يوسف العاني موجودا اذ انه ترك العراق بعيدا عن مطاردات رجال الامن.
وبعد فلم سعيد افندي قامت بدور البطولة في مسرحية "آني أمك يا شاكر" للفنان الرائد يوسف العاني، فكانت حديث الصحافة والأوساط الفنية والثقافية. وقبل أن تتجه للتمثيل كانت لها محاولات في كتابة الشعر، بل ونشرت بعضا من تلك الاشعار بأسماء مستعارة منها "زينب" و"سميرة الفقراء".
انضمت زينب الى فرقة المسرح الحديث وهي الفرقة التي كانت تضم خيرة فناني المسرح مثل يوسف العاني وابراهيم جلال وغيرهما.
واسند إليها دور (أم شاكر) في مسرحية (آنه أمك يا شاكر)، وتحت إشراف المخرج إبراهيم جلال الذي أبدى إعجابا وتحمسا لأدائها المسرحي.
وكنت في ذلك الوقت ازور بشكل دائم الفرقة واشاهد تمريناتها حتى انهم اعتبروني عضوا فيها دون ان أمثل وكنت بالطبع احضر كل مسرحيات الفرقة وخاصة تلك التي كانت زينب تمثل فيها.
وفي صيف عام 1959 حضرت في فيينا مهرجان الشبيبة العالمي السابع الذي شارك فيه 18 ألف شاب وشابة من 112 دولة بينها العراق وكانت زينب هناك ايضا.
وكنا نلتقي في معظم الأيام ومعنا الفنانة ازادوهي وفي تلك الايام عرفت زينب عن قرب وتعرفت على نبل وشهامة تلك الانسانة العظيمة وقد التقطت الكثير من الصور في شوارع فيينا ومعالمها البديعة بكاميرتي المتواضعة جدا.
وعندما تركت العراق مضطرة كما قالت لي بقيت اتابعها مباشرة او عن طريق الاصدقاء سواء عندما أقامت في الكويت أولا، ثم لندن فبلغاريا ثم عدن حيث أسست هناك فرقة مسرحية باسم (فرقة الصداقة).
في عام 1981 انتقلت إلى دمشق حيث أسست فرقة (بابل) المسرحية. وتركت الشام عام 1990 متوجهة إلى بلغاريا ومن هناك انتقلت إلى السويد حيث عاشت حتى رحيلها عام 1998 اثر مرض عضال.
بعد وفاتها كتبت مقالا ذكرت فيه ان زينب "شخصية وطنية فذة، أوقفت حياتها وفنها لخدمة قضية الشعب والوطن منذ صباها وحتى آخر يوم من حياتها المليئة بالعطاء، على الرغم من كل المصاعب التي جابهتها، من فصل، وتشريد واختفاء وسجن واغتراب عن الوطن".
يتذكر ابناء جيلنا أدوار زينب في مسرحيات“:
[النخلة والجيران] و [ أني أمك يا شاكر ] و [تموز يقرع الناقوس] و [الخرابة] و [نفوس] و [الخان] و[دون جوان] .
والعديد من المسرحيات الأخرى، والتي أعطت فيها كل ما تستطيع، مؤمنة برسالة الفنان الملتزم بقضايا شعبه ووطنه وقضايا الإنسانية جمعاء. ولم يقتصر دور الفقيدة زينب على المسرح فقط، بل كان لها دور ريادي في السينما منذ الخمسينات، حيث شاركت، وبأدوار مهمة في فلم [سعيد أفندي] وفلم [أبو هيلة] بالاشتراك مع الفنان الكبير يوسف العاني، كما قامت بدور البطولة في فلم [الحارس] الذي أخرجه الفنان خليل شوقي، والذي نال جائزة مهرجان قرطاج الذهبية. وبالإضافة إلى نشاطها المسرحي والسينمائي، فقد كتبت العديد من المسرحيات للإذاعة والتلفزيون كان منها [ليطه] و[ الربح والحب ] و[تحقيق مع أم حميد بائعة الأحذية] والعديد غيرها. زينب كان لها دور ريادي في خدمة الشعب كمناضله وسيظل اسمها بارزا مع اللقب الذي تستحقه بجدارة [فنانة الشعب].