العراق في العام 1997 كتبت الى الصديق المرحوم الفنان يوسف العاني رسالة قصيرة في عيد ميلاده الفني قلت فيها: "ذات يوم سيقول احفادي بفخر أمام زملائهم ان جدهم (الذي هو أنا) كان صديقا لفنان العراق العظيم يوسف العاني. اهنئ نفسي قبل ان اهنئك بعيد ميلادك الفني الثالث والخمسين - محسن حسين" وجاءني الرد من يوسف:.... وسيقول احفادي، ان لجدنا الفنان يوسف العاني كان هناك صديق وفي ونبيل اسمه محسن حسين -ابوعلاء- كان جدنا يعتز به ويفتخر. ويبتسم الأحفاد و يتفاخرون فيما بينهم. 24/2/1997 يوسف العاني هاتان الرسالتان اعتز بهما تعبران عن صداقة امتدت 60 عاما بدأت مع بداية عملي الصحفي عام 1956 لحين وفاته يوم 10 تشرين الأول 2016.
تبادلنا الرسالتين في عيد ميلاده الفني الذي كنا نحتفل بحلوله في 24 شباط عام 1944 وهو ذكرى اول يوم صعد فيه على خشبة المسرح وكان عمره حينذاك 17 عاما.
ولم يحتفل قط بعيد ميلاده الحقيقي عام 1927 في مدينة عنه في محافظة الانبار اذ نشأ في محلة بغدادية شعبية قديمة هي محلة (سوق حمادة) وسط بغداد ويبدو أنه قد أخذ الكثير من أصول وركائز وأشكال كتاباته المسرحية من اجواء تلك المحلة. وكنت حريصا ان اكون اول المهنئين له كلما حل يوم 24 شباط. ادق باب شقته حاملا صينية البسبوسة التي تعدها ام علاء او اكلمه هاتفيا حيثما كان أو ابعث له رسالة.
يؤسف ليس فقط ممثلا مسرحيا كسب اعجاب الملايين هو ممثل في السينما وهو مخرج مسرحي وهو كاتب مسرحيات وله عدة كتب عن الفن والحياة وكان يكتب في الصحف والمجلات باستمرار وفوق هذا كله كان مناضلا أحب شعبه ووطنه تشرد وهاجر الى ألمانيا ولبنان وغيرهما بعيدا عن مضايقات أجهزة الامن وضحى بالكثير من اجل المبادئ التي آمن بها. واقولها بصراحة ان كان هناك شخص عراقي يستحق ان يوضع له تمثال في بغداد مثل تمثال شاعرنا الكبير معروف الرصافي فهو بدون شك يوسف العاني.
منذ ان عملت بالصحافة قبل أكثر من 60 عاما ربطتني بيوسف صداقة امتدت بدون انقطاع لحين وفاته. في السنوات الأولى في عامي 1957 و1958 كنت احضر بروفات مسرحياته في دار صديقه الفنان ابراهيم جلال في باب المعظم خلف مدينة الطب وكنت أواصل حضور مسرحياته في العهد الملكي والعهود التي تلته وشهدت تصوير فيلمه الشهير(سعيد افندي) في محلات ودرابين بغداد القديمة وشهدت عرضه الاول في بغداد عام 1957بينما كان يوسف قد هاجر العراق وكتبت عنه مقالا كان يوسف يذكره في احديثه عن السينما العراقية. كان عنوان المقال (من قال أن اللهجة العراقية لا تصلح للسينما؟). في ذلك المقال أشدت بالحوار وتقبل الجمهور للهجة العراقية مفندا الادعاءات القائلة بأنه يستحيل إقامة صناعة سينما عراقية لان اللهجة العراقية جافة ولا تصلح ألا للمعاملات التجارية.
ولد يوسف عام 1927 وتوفي عن عمر 89 عاما ومنذ ان اعتلى خشبة المسرح لأول مرة في 24 شباط 1944 لم يفارق الفن بمختلف أشكاله في المسرح والسينما والتلفزيون والاذاعة ممثلا ومخرجا وكاتبا وناقدا ومؤلفا.
يوسف العاني رمز بارز للفن في العراق بل هو من أبرز الفنانين العرب. في 24 شباط العام 1944 وقف يوسف العاني على المسرح ممثلا لأول مرة في مسرحية بفصل واحد من تأليفه وإخراجه.
كان من الممكن ان يكون محاميا بعد تخرجه من كلية الحقوق لكنه انتقل إلى معهد الفنون الجميلة ليبدأ مشواره الفني بتأسيس فرقة المسرح الفني الحديث، ثم مسرحياته الشهيرة النخلة والجيران والخرابة والمفتاح وبغداد الأزل بين الجد والهزل واني امك يا شاكر وغيرها ثم السينما فيلم سعيد أفندي اولا وبعد ذلك (أبو هيلة) والمنعطف والمسألة الكبرى واليوم السادس. يذكر النقاد كيف كان يوسف منذ العهد الملكي وفي مختلف العهود يقف الى جانب الشعب ناقدا ظلم الحكام ففي مسرحية "آني أمك يا شاكر" كان يوسف العاني يمرر عبر حواراتها تلك "الترميزات" السياسية والاجتماعية المشاكسة، أو الموحية، كما فعل في فيلم سعيد أفندي حين يخاطب "سعيد" زوجته "الممثلة زينب" التي شكت من مضايقات الجيران "احسن شي هو المقاطعة، هذا احسن حل: الــ ... مقاطعة". وفي مسرحية "آني أمك يا شاكر" قال النقاد أن يوسف أعطى صورة عن الظلم والاضطهاد، معبرا عن صبر الأم ونضالها وتحملها أذى المعتقلات والتضحيات وغياب ابنها "شاكر". بلغ رصيده (41) عملاً مسرحياً تأليفاً، ونحو (60) عملاً مسرحياً تمثيلاً، و(16) كتاباً في المسرح والسينما والشؤون الثقافية اخر مرة رايت يوسف فيها يوم 26 آذار 2014 عندما كلمني بعد وصوله الشارقة حيث تم تكريمه كواحد من أبرز الفنانين العرب وقد لاحظت في ذلك اليوم ان صحته لم تكن على ما يرام فقد ظل يعاني من المرض الذي الم به في عام 2013 عندما نقلوه من المسرح الوطني حيث كان يجري تكريمه الى مستشفى الراهبات ببغداد مصابا بنزف معوي حاد. حينذاك قال لي يوسف العاني عندما كان المئات يزورونه في المستشفى للاطمئنان على صحته: "أهم شيء هو الذكر الطيب خصوصا الفنان في نفوس الناس والوسط الفني لأن الإنسان لن يأخذ معه شيئاً سوى سمعته الحسنة والذكر الطيب ". لسنوات عديدة وكنت في مجلة الف باء بالقرب من شقته في عمارات الصالحية يزورني بشكل مستمر.
هذه دعوة لاصدقائنا جميعا ان نحتفل بذكرى الفنان الكبير الراحل يوسف العاني بمناسبة عيد ميلاده الفني يوم 24 شباط من كل عام.