خلال حياتي الصحفية تعرفت على الكثير من الوزراء في مختلف العهود ووجدت أن البعض منهم جدير بمنصبه في حين أن البعض الآخر لا يصلح ان يكون وزيرا إنما الظروف هي التي أوصلته إلى المنصب الوزاري.
وأذكر عندما تأسست وكالة الأنباء العراقية بدأنا بتأسيس أرشيف واسع للشخصيات العراقية يضم نبذا عن حياتهم مع صورة شخصية وكنا نبعث باستمارة معلومات إلى الأشخاص البارزين في مختلف ميادين الحياة ليكتبوا بخطهم صفحة واحدة عن حياتهم ثم نضيف فيما بعد إلى ما كتبوه ما نعرفه وما نحصل عليه من معلومات لم يذكرها لسبب ما. وفي مرات عديدة استعان المكلفون بتشكيل الحكومات بهذا الأرشيف ليتعرفوا على حياة أشخاص مرشحين للوزارة، وأذكر أن هذا الأرشيف كان السبب في عدم إستيزار عدد من الشخصيات المرشحة للمنصب الوزاري في حين كان من عوامل صعود بعض الشخصيات إلى المنصب الوزاري.
** طلق زوجته من اجل المنصب
أذكر حادثة لها علاقة بذلك الأرشيف، ففي الستينات طلب احد المدراء العامين الإطلاع على استمارة المعلومات الخاصة به فلما أعطيتها له شطب كلمة (متزوج) من فقرة الحالة الاجتماعية ووضع بدلا منها كلمة (مطلق).
اخذ صورة للاستمارة وذهب استغربت للأمر، وبعد أيام أتضح لنا إنه يسعى للحصول على منصب سفير في إسبانيا وبما أن القوانين تمنع تعيين المتزوج من أجنبية بمنصب السفير فإنه طلق زوجته الأمريكية بعد زواج 20 عاما ليحصل على المنصب. وعندما سافرت الزوجة المطلقة إلى بلدها أمريكا ذهبت معه الى المطار لتوديعها وكانت الدموع تنهمر من عيونهما.
ولدى عرض قرار تعيينه على مجلس الوزراء رفض المجلس إصدار القرار وقال رئيس الوزراء إن الرجل الذي يبيع زوجته بعد 20 عاما من أجل المنصب مستعد أيضا لبيع وطنه.
وتبين فيما بعد أن الرجل كان فد أتفق مع زوجته أن الطلاق شكلي وأنها ستلتحق به في إسبانيا حال تسلمه المنصب الدبلوماسي ولكن بصفة أخرى كمديرة منزل أو أي شيء آخر!!
وبعد أن يئس من التعيين عادت الزوجة إلى
زوجها في بغداد وطلب مني الاستمارة مرة أخرى ليشطب كلمة (مطلق) ويكتب بدلا منها (متزوج)!!
لكن المدهش في هذا الموضوع أنه بعد أشهر قليلة من ذلك الحادث عين وزيرا للاعلام!!
- ·** شخص مجهول بين المرشحين
وكنت بحكم عملي معاونا لمدير عام وكالة الأنباء العرقية ونائب رئيس تحريرها أحضر مراسم تشكيل الوزارات في القصر الجمهوري في عهد الرئيس عبد السلام عارف.
وهناك يجتمع المرشحون للوزارة في القاعة الكبرى، وعندما يكتمل العدد يحضر رئيس الجمهورية ليؤدي رئيس الوزراء والوزراء اليمين أمامه.
وبمناسية تشكيل وزارة جديدة في عهد الرئيس عبد السلام عارف يوم 24 ايلول 1964 لاحظ المرشحون أن شخصا لا يعرفونه قد انزوى في ركن من أركان القاعة.
ولاحظت أن المرشحين يتهامسون فيما بينهم عمن يكون هذا الشخص، وناداني الدكتور عبد الحميد الهلالي وكان مرشحا لوزارة الاقتصاد ورجاني أن أعرف سر هذا الرجل فقد يكون هناك خطأ وأنه قد أستدعي بسبب تشابه الأسماء أو غير ذلك! وكنت عادة في مثل هذه المناسبات انتهز الفرصة للتحدث مع المرشحين لكتابة نبذ
عن حياتهم نوزعها على الصحف للنشر في اليوم التالي.
وذهبت إلى الرجل أسأله فأكد لي ترشيحه للوزارة وأنه مدير عام في وزارة الزراعة المرشح لها. أبلغت الدكتور الهلالي بذلك، وزاد الشك عندما قال أحد المرشحين أنه لا يوجد مدير عام بهذا الاسم في تلك الوزارة ففي تلك الأيام كان عدد المديرين العامين محدودا وهم معروفون لدى الجميع.
ولم يكن أمامنا غير التأكد من رئيس الجمهورية عبد السلام عارف قبل أداء اليمين فذهبت إلى سكرتيره عبد الله مجيد أبلغه بما حدث فهرع هذا إلى رئيس الجمهورية يبلغه ان شخصا غير معروف يجلس مع المرشحين فطلب الرئيس أن أسأله أن كان ضابطا برتبة ملازم أثناء حركة مايس 1941 واشترك فيها فإذا كان كذلك فإنه الشخص المطلوب.
ذهبت مسرعا ووجهت له ذلك السؤال فاكد معلومات رئيس الجمهورية وكان هو ذلك الشخص الذي اتضح فيما بعد انه كان مدير قسم في إحدى دوائر الوزارة ولم يكن مديرا عاما ويقال انه في أول يوم له في الوزارة أصدر قرارا بترفيعه إلى مدير عام.