البعض يقول انها تعني الدولة العلمانية وهؤلاء منهم من يربط العلمانية بالالحاد ومنهم من يقول انها فقط فصل الدين عن الدولة وهذا لا يعني الالحاد او نكران الدين انما ان تعطي الدولة افراد شعبها الحرية في ممارسة شعائرهم الدينية بحرية ولكن بشكل شخصي لا يفرض قوانينه على غيره وهذا من شأنه توحيد الشعب ضمن قوانين واحدة- مدنية غير سماوية.
الحقيقة هي ان معنى الدولة المدنية هو يقع فعلياً في مفهوم العلمانية؛ وهو فصل الدين عن الدولة وفرض قوانين مدنية على كل الناس فيها مساواة في الحقوق والواجبات ولا ربط فيها الى رجال الدين والعسكر.
ولكن ما هي العلمانية؟
ولماذا نجفل من ذكرها؟
ولماذا استبدلتها بعض المجموعات الحزبية وحتى الدينية بعبارة: الدولة المدنية؟
وهو مصطلح جديد في علم السياسة وقد تم تداوله بشكل اكبر في السنوات العشر الاخيرة وذلك انه قد يكون مصطلح لا يخدش أذان المصابين بهلوسة التكفير.
نجفل احياناً من ذكر العلمانية بسبب التفكير التكفيري لبعض المجموعات التي تكفر التفكير العلمي المرتبط بفكر تقدمي من جهة.
ومن جهة اخرى،لا يستطيع المرء ان ينكر ايضاً استخدام الملحدين وبعض الانظمة الملحدة (كالشيوعية القديمة) للعبارة مما ربطها بهم عضوياً وانتسبت لهم أبدياً عند بعض الناس وهذا مما أساء الى سمعة العبارة وجعلها مشبوهة.
لذلك فإن من الاجدى ان ننسى عبارة "العلمانية" وقد عرّفناها أعلاه وان نركز على تعريف الدولة المدنية وماذا تعني للكثير ممن ينادون بها.
قيل في تعريف الدولة المدنية كما يلي:
"نظراً للظروف المختلفة في العالم العربي فالنموذج الأنسب في التعبير عن الدولة غير الدينية هو " الدولة المدنية "، فهي الدولة التي يحكم فيها أهل الاختصاص في الحكم والإدارة والسياسية والاقتصاد.. الخ.
وليس علماء الدين بالتعبير الإسلامي أو "رجال الدين" بالتعبير المسيحي، وكذلك هي الدولة القائمة على قاطنيها الأصليين وهم غالباً ينحدرون من عرق واحد أو عرق غالب وإن تعددت دياناتهم ومذاهبهم."
وهذا تعريف جيد ومختصر للدولة المدنية.
شعارات كثيرة تداولتها بعض المجتمعات العربية – كالمصرية والعراقية واللبنانية - ومنها:
اذاً، ليست الصدفة فقط هي التي جمعت احرف الكلمتين "الدولة غير الدينية هي الدولة المدنية" ليفرقهما المعنى انما الصدفة هو عند الغوص في جذور كلمة "مدنية" لنفهم ماذا تعني هذه الكلمة.
فبالنسبة لاختصاصي علم الالسن فإن الحلول تكمن وتختبأ في اللغة بحد ذاتها ومعانيها واصولها.
فماذا تعني الكلمة؟
تعود اصول الكلمة الى كلمة من ثلاثة احرف: مدن. ويتفرع من هذه الكلمة عدة كلمات منها: مدينة، تمدن، مدني، مدنية الخ
مثل كلمة الحضر (اهل الحضر والمدن) والتي يتفرع منها كلمة التحضر وهي لا تبعد في المعنى كثيراً عن كلمة التمدن والتي يُفترض ان تعبر عن التقدم في كل شيء – عكس البدائية - والتطور في كل شيء ومنها التطور العلمي والادبي والفكري والقانوني والطبي والفلسفي والذي ينتج عنه تطور في العادات والمسلكيات الادبية في المجتمع ويكون هذا مترجماً على الارض في الرقي في التعامل، وكيفية تعاطي الناس مع بعضها البعض بأدب وتهذيب، والوعي في المحافظة على البيئة والنظافة وادارة النفايات وغيرها من علامات التمدن الكثيرة والتي تنعكس حتى على امور صغيرة نقوم بها فنرى من علامات الرقي والتمدن مثلاً انخفاض غير مصطنع في الصوت والوقوف بالدور في انتظار من يأتي لخدمتهم واستخدام اكبر للحجة العقلانية في حل النزاعات المدنية بدلاً من.. العنف.
لذلك نرى نجاحاً هائلاً في تطبيق نظام الدولة المدنية في المدن المتمدنة (المتحضرة) فكرياً مثل بعض الدول الاوروبية أمثال المانيا وانكلترة وفرنسا وبعض الدول الغربية امثال الولايات الامريكية المتحدة وأستراليا وغيرها.
ولذلك الامر بالذات لم ولن ينجح اي نظام دولة مدنية في معظم دول العالم العربي (لا علماني ولا إلحادي ولا مدني ولا حتى ديني صح)، إلا اذا عالجنا امراً واحدا.. البصق.
قد يضحككم هذا الامر ولكنه قد يكون نافذة الى معلومة قديمة جديدة.
فإلى الان نجد ظاهرة البصق على الارض موجودة ولو كان في اكبر المراكز التجارية.. لماذا؟
انه مما لا شك فيه استهتار العرب بالاخرين والنظافة العامة..
ودلالة على قلة التهذيب.
يعود هذا الامر الى شيء بسيط جداً وهو اننا شعب غير متمدن، غير متحضر، لم تعلمنا المدن شيئاً ولا حتى غربتنا ولم تفيدنا كتب التاريخ بشيء لاننا بكل بساطة يفتقد معظمنا الى الليونة في تقبل ما هو جديد ومفيد من العلوم (ما عدا التقنيات الحديثة والسيارات آخر موديل والاسلحة الفتاكة مثلاً) وكل ما هو جديد ونفتقد الى.. التهذيب.
الحقيقة ان لا عاداتنا الكثيرة ولا تقاليدنا التي لا تُعد ولا تُحصى استطاعت ان ترتقي بمعظمنا الى مرتبة انسان، ويعود معظمه الى شيء واحد الا وهو افتقاد الليونة ومعنى هذا.. التصلب والتحجر الذي يجر آفات كثيرة اجتماعية كالتعصب والعنف ولوم الاخرين على فشلنا. لا ينفع بنا دولة مدنية ولا دينية ولا من يحزنون طالما نحن متحجرون، نحمل آفاتنا الاجتماعية على ظهورنا وننقلها بالعدوى الى الاخرين حتى ونحن في غربتنا، معظمنا لم يتعلم شيء.
فأصوات معظمهم العالية -حتى في حديث عادي- يدل على تخلف وتوتر مستمر Anxiety لعدم قدرتهم على ضبط مشاعرهم.
هؤلاء لا ينفع معهم حتى نظام ديني مثل دين الاسلام الحنيف الذي في قرآنه دعى الناس الى الهدوء والسلام وقال الله في آياته من سورة آل عمران "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس".
ولكن، لا احد يسمع ولا حياة لمن تنادي.
فمعظمنا لا يكظم الغيظ واكثرنا لا يعفو. وهؤلاء الذين يوسخون اماكن وجودهم ولا يراعون البيئة والنظافة حتى ولو كان بجانبهم مكان مخصص لرمي القمامة والذين يبصقون على الارض والذين لا يعرفون كيف يحاورون والذين يروا العنف حلاً والذين يحللون سرقة الاخرين والاعتداء عليهم بحجة تكفيرهم.. هؤلاء مصابون بالجهل جراء تصلب تفكيرهم.
وهؤلاء لا ينفع معهم اي نظام لا ديني ولا مدني.
قد يسأل البعض عن الحل، يقول في هذا الكثير من علماء الدين والاجتماع واصحاب التخصص العالي ان علينا بأنفسنا اولاً في تعليمها وصقلها وتهذيبها وان نبتعد عن تصلب وتحجر العقل فالليونة دلالة على الرقي، وعلينا الوعي ان الدنيا، هكذا، في تغيير مستمر وعلينا التحلي بكل الليونة المطلوبة كي نتفاعل مع التغيير ونتعلم منه التجارب ويكون لدينا يقين ان العلم لا حدود له وطلب العلم لا ينتهي الا بانتهاء الحياة.
الى ذلك الحين، يخلق الله ما لا تعلمون وقد نصبح يوماً جاهزين للمطالبة بدول مدنية او حتى دينية راقية في عالمنا العربي الغريب.