مقالي هذا ليس للتعميم او للتحدث عن الرجال بصفة عامة ولكن بصفة خاصة ولو انها - للاسف- قد تتحدث عن حالة تشكو منها اغلب النساء العربيات وخصوصاً اللواتي التقي بهن بحكم عملي في دائرة الشؤون الاجتماعية وأولادهن وعائلاتهن. ذلك ان مراحل فراق المرأة من الرجل عموماً وخصوصاً العربي تمر بمراحل صعبة على المرأة ومن معها وذلك لأسباب عدة قد تنشأ من البيئة الاجتماعية التي تربى الرجل فيها او بسبب احوال مرضية سيكولوجية لم يتم تشخيصها بسبب احساس بعض الرجال بالكمال وحب الذات (النرجسية) ونكران حقيقة ان تكون المشكلة عندهم وليست عند الطرف الاخر، او بسبب شعورهم بالعار اذا لجأوا الى مساعدة الطبيب النفسي.
حالة النرجسية وما يتبعها من حالات الهستيريا والاحباط وملاحقة الطرف الاخر والتشاجر معه وحتى اتهامه بشتى التهم حتى يستقر نفساً ان المشكلة ليست عنده، وايضاً كل ما يلحقه من تصديق لتلك الاتهامات وملاحقة الاخر ومضايقته وخلق المشاكل معه والوصول حتى الى مراحل العنف المنزلي، هذه كلها ليست حصرا طبعاً على الرجال ولكن اغلب الحالات هي من الرجال وذلك بناء على احصائيات اجرتها الدولة الأسترالية مؤخراً واتضح فيها اعداد ضحايا العنف المنزلي الذي وصل الى عدد هائل وبسببها قُتِلت ٦٣ امرأة في عام ٢٠١٥، وبناء على مقال نشرته Business Insider فإن واحدة من ست نساء تعاني من العنف المنزلي في استراليا. ولهذا فقد كرس رئيس الوزراء الأسترالي مبلغاً وقدره ١٠٠ مليون دولار لمساعدة ضحايا العنف والوصول الى حلول لتجنب وقوع مثل هذه الحالات.
لدى العديد من الرجال العرب تجارب قاسية في الحياة وما يتعرضون له في الحروب ومآسيها وتجارب الهروب منها، مثل حالات اللاجئين وما يعانون من حالات نفسية وجسدية قاسية بسبب ما تعرضوا له في بلدهم الام من اضطهاد وما تعرضوا له خلال رحلة عبورهم المحيطات حتى وصولهم الى استراليا. لكنهم ينسون انهم ليسوا وحدهم الذين تعرضوا الى هذه المآسي وان نسائهم واولادهم ايضاً تعرضوا معهم وما زالوا يعانون من ذيول هذه التجارب القاسية.
كل هذه الأسباب حقيقية وقد تكون وراء تصرفات الرجل القاسية ولكن هذا لا يبرر عدم لجوئهم الى الطب النفسي والاستسلام للعلاجات الحديثة ولا يجب ان يبرر لجوئهم الى العنف الجسدي والفكري والعاطفي تجاه الآخرين.
هذا كله لا يساعد المرأة المعنفة بشيء وخصوصاً ما يُضاف اليه من عادات وتقاليد تبرر للرجل استخدامه لمطاردة امرأته وازعاجها وتعنيفها اذا لزم الامر من منطلق فكري متخلف مبني على "انه يعرف مصلحتها اكثر منها" وهو فكر أبوي خاطئ يحلل للمرء التدخل في أنف خصوصيات الاخر وانتهاك ابسط حقوقه الانسانية الا وهي الخصوصية.
اجريت ابحاثاً عدة في نطاق عملي حول هذا الموضوع وتحدثت مع زملاء وزميلات لي في العمل وتناقشنا كثيراً ووصلنا الى نتيجة وهي ان تجاهل مشكلة نفسية بسيطة قد تولد امراضاً نفسية اخرى حقيقية ونكون في النرجسية المرضية -التي تتطلب اهتمام الذين من حولهم الكامل واذا تغيروا اتهمهم النرجسي شتى الاتهامات وكرههم وحاربهم او لاحقهم حتى يغير عقلهم ويعودوا الى الاهتمام به وحده- الى أمراض اخرى ينتج عن إهمال علاج أولى الأمراض وقد يعرض المريض حاله الى انتكاسات تصل به احياناً الى حالات اكتئاب قد تصبح مزمنة وبعدها الى حالات الهوس الاكتئابي والذي قد يودي الى مرض يسمى بثنائي القطب bipolar disorder او manic depression. هذه الأمراض تستشري عادة في الأشخاص المؤهلين وراثياً وذهنياً الى الإصابة بهذه الأمراض.
اذا لم تُعالج هذه الامور فإنها تسبب احياناً بأمراض اخرى مثل اختلاق الحكايات والاعترافات بأمور لم تحصل voluntary confessions وأحياناً يصلون الى حالات اكبر لجلب اهتمام الغير لهم وخصوصاً تلك المرأة التي تتركهم، ومن هذه الحالات حالة تُسمى بظاهرة مانشهاوزن Münchausen وهي حالة خطيرة يُدمن فيها المريض على تأليف قصص حول صحتهم فيخترعون امراضاً تبدو اعراضها فعلا حقيقية لدرجة تخدع حتى الأطباء أنفسهم ويضطرون حتى لإعطائهم أدوية لهذه العوارض، أشهرها هي أعراض لأمراض قلبية حيث يستطيع المريض تسريع دقات قلبه ومنها الى كل ما يتبع هذه الالية من عوارض لازمة قلبية مفتعلة. وهؤلاء يفتعلون -ويصدقون- أمراضهم الكبيرة والكثيرة.
ليست الامور بهذه السوداوية ولكنها واقع لكثير من الناس الذين يحاولون ان يفهموا ردات فعل الرجل العنيف ومحاولاته البائسة في ملاحقة النساء في حياتهم وذلك للاسباب المرضية التي اشرنا لها والاسباب الاجتماعية التي تصور للرجل انه فوق الخطأ وانه يجوز له استخدام العنف لتقويم اي اعوجاج يراه في ذهنه. ونحن نتحدث عن ذهن مريض موسوس غير سوي، لذلك قد تتخيلون ردات فعلهم وما ينتج عن تصرفاتهم.
لكل مشكلة حل خصوصاً اذا عولجت ببدايتها وهي صغيرة وقبل ان تكبر وتتفاقم ونكون بمشكلة نفسية واحدة لنقع في اخرى.
والله هو الأعلم