تحتفل استراليا بذكرى يوم الانزاك (ANZAC Day) في 25 من شهر نيسان/ابريل من كل عام منذ ان وطأت اقدام الجند الاستراليين والنيوزيلانديين ارض غاليبولي في ارض العثمانيين عام 1915 (بداية الحرب العالمية الاولى والحملات ضد الدولة العلية لإنهاء ملكهم الطويل لأجزاء كبيرة من الشرق الأوسط وما جاورها شمالاً وجنوباً) وكان هدفهم الدخول الى مدينة اسطنبول الا ان القوات الأسترالية والنيوزيلاندية جوبهت بمقاومة شرسة من قبل الجيوش العثمانية والتي كانت تتألف من عدة جنسيات منها الأرمنية والعربية واليونانية وغيرها الكثير.
خسرت القوات الأسترالية المعركة وعادوا أدراجهم بعد وقوع اكثر من 8000 قتيل.
رئيس وزراء استراليا مالكوهم ترنبول صرح يوم الاثنين الماضي من خلال خطابه في عيد الانزاك الوطني، ان العيد الوطني لا يحتفل بذكرى الحرب ولكن نتذكر الذين استشهدوا في سبيل عالم أفضل وفي سبيل أماننا هنا.
لم يكن ليذكر هذه الكلمة مالكوم ترنبول لولا يقينه بأن هذا اليوم بالذات هو يوم حزين ومأساوي لكثير من الناس بسبب تدخل استراليا في حرب قاسية لا ناقة لها فيها ولا جمل، ولم تكن لتحصل لولا ان استراليا ونيوزيلاندا هما جزء من أراضي المملكة البريطانية العظمى.
كثير من الجمهوريين الاستراليين ينتقد هذه المناسبة ويتخذها فرصة للتهجم على الملكية البريطانية والحث على نيل الاستقلال منها.
هناك أيضاً العديد من الاستراليين يعتبرون ان الدولة الأسترالية لا تشرح لعامة الشعب المعارك الحقيقية التي دارت والاسباب التي أدت اليها والانهزامات وغيرها.
فعلى سبيل المثال، كتب السيد 'مات هاردي' في موقع The Conversation الإعلامي مقالاً ينتقد فيه ما نعرف عن يوم الانزاك كأستراليين قائلاً فيه:
"من كنّا نحارب في غاليبولي؟"
وتابع ليقول ان الاستراليين يظنون خاطئين ان جنودهم كانت تحارب العثمانيين الأتراك ويجهلون ان الجيش العثماني كان مؤلفاً من 300 الف جندي من أصول عربية وارمنية وغيرها.
كما أوضح 'مات' ان أكثرهم أتى بالسخرة من بلدان مجاورة لتركيا ومنها ارض الشام والعراق وغيرها وان هذه المناسبة تسبب بتحريك مشاعر البغض تجاه الاستراليين من قبل العرب وغيرهم ممن عانوا من ويلات الحروب الكبرى على بلادهم.
وفي هذا المضمار اتذكر ما كانت تخبره لي والدتي عن تسخير جدها المريض العجوز الى تلك الحرب العمياء ومنها معارك أسموها 'سفر برلك' المشهورة وقتل 'العثملي' لجدي وهو يمشي براً من لبنان الى تركيا وقد تقاعس عن المشي فآثروا قتله في ارضه عن ارجاعه او عفيه عن المهمة.
لم تكن بلادنا مسرورة جداً من سيطرة ونفوذ وجبروت العثملي ولكن وبسبب هذه الحرب القاسية عانى الناس الكثير الكثير ومن اهم المعاناة هي المجاعة التي حلت على مناطق واسعة من سوريا العثمانية وفي لبنان بالأخص حيث صادر جمال باشا - حاكم سوريا 'العثملي' آنذاك- المحاصيل والأملاك لخدمة الجهود الحربية مما أدى الى مجاعة حقيقية وانتشار الأمراض وفوقها ظهور أسراب الجراد والتي وصفوها اللبنانيين بأنها وعلى كثرتها غطت قرص الشمس وكان ذلك في عام 1915 المشؤوم.
كل ينظر الى هذه الحرب بمنظاره وكل يرى فيه هو البطل والآخر هو الجاني.
لا نزال نقيم مجالس العزاء على شهدائنا في كل أنحاء العالم ولا زالت الحرب لا تعلمنا انها خسارة على كل الأطراف وان العيش بسلام قد نستطيع الحصول عليه اذا بدأنا بتعليم اولادنا ان القلم أجدى من السلاح وان القتل والعنف ليسا أساساً لحل النزاعات او تحقيق اطماع الفتوحات الكبيرة ان كانت من الغرب او الشرق.
في النهاية، نتذكر الجندي المجهول في كل آن والآتي من كل قرية وكل بلدة وجوار ونتذكر شهدائنا من كل صوب وعائلاتهم وأحبائهم ونتمنى لهم الصبر والسلوان.
سلام لكم أيها الابرار