يترقب الاستراليون الان ردة فعل رئيس وزرائهم مالكوم تيرنبول حول تقرير صدر حديثاً من منظمة الامم المتحدة وهو الخبر الذي تصدر الصحف الاسترالية يوم السبت الماضي في 8 أكتوبر/تشرين الاول 2016.
يوجه تقرير منظمة الامم المتحدة انتقاداً شديد اللهجة لسياسة الدولة الاسترالية تجاه طالبي اللجوء وسوء المعاملة التي يلقونها في مركز ناورو (في جزيرة ناورو الواقعة في متوسط المحيط الهادئ) للحجز وهم –وعائلاتهم- ينتظرون بت الدولة في مسألة قبولهم كلاجئين داخل الاراضي الاسترالية.
كما يطالب الدولة الاسترالية التصرف بشكل فوري لانقاذ الاطفال المحتجزين من الاساءات الجسدية والنفسية وكذلك الامر الجنسية التي يتعرضون لها هناك.
كما يُحمّل التقرير الدولة الاسترالية مسؤولية التقصير في مساعدة المحتجزين والمصابين منهم بأمراض نفسية وعقلية معقدة للغاية، والذين دفعتهم حالتهم الصحية هذه واجوائهم الصعبة في ناورو القيام بعدة محاولات للانتحار وبطرق مختلفة منها الاقدام على حرق انفسهم بماء غالية او ضرب رؤوسهم في الحائط وغيرها الكثير من الحالات والتي ان دلت على شيء فإنها تدل على مدى عذاب المحتجزين الذين وصلوا الى مرحلة يفضلون فيها الموت عن البقاء في مركز الاحتجاز هذا، وهم طلاب لجوء عانوا ما عانوه للهروب اولاً من نار الحروب التي احرقت بيوتهم وشتت عائلاتهم واللجوء الى الدولة الاسترالية لاغاثتهم حتى يفاجئوا بهذه الظروف التي ليست فقط بالقاسية بل –وبناء على تقرير الامم المتحدة المبني على تحقيق ودراسة دقيقة - خطيرة وتنتهك حقوق الانسان ولا سيما حقوق الاطفال وقد فشلت الدولة الاسترالية فشلا ذريعاً في حمايتهم وتأمين لهم مكاناً آمناً ريثما ينظرون بأمرهم.
كما انها فشلت – بناء على التقرير ايضاً - في تأمين أجواء صحية وملائمة للمحتجزين ومنها توفير الاولويات كتأمين الماء غير الملوث والعلاج الصحي ولو بأدنى مستوى ممكن.
تواجه الدولة الاسترالية انتقادات واسعة من المجتمع الدولي ومنظمات حقوقق الانسان والاطفال المحلية والعالمية خصوصاً بعد صدور هذا التقرير الذي فضح الاحوال السيئة التي يعيشونها محتجزي مركز حجز ناورو خصوصاً وان عدد المحتجزين هم 410، منهم 306 رجلاً و55 امرأة و49 طفلاً، وبما ان اعداد الرجال تفوق اعداد النساء والاولاد فإن هذا يضعهما تحت خطر دائم من التعرض لاعتداءات جنسية وجسدية ان كان من المحتجزين الرجال الذين يعانون بدورهم من عوامل بيئية وصحية تجعل منهم وحوشاً مستشرسين او من موظفي الدولة انفسهم حيث بينت تقارير فيها شكاوى المحتجزين من حراسهم يدّعون فيها انهم يقومون بضربهم والاعتداء عليهم ومنع عنهم الطعام والماء النظيف اذا لم ينصاعوا الى رغباتهم.
مالكوم تيرنبول في مأزق كبير.
كان لدى الاستراليين املا كبيرا برئيس وزارئهم الجديد مالكوم تيرنبول حيث نجح في الانتخابات الفيدرالية الاخيرة بالرغم من انتمائه الى حزب الاحرار الاسترالي والذي يُعد حزباً يمينياً محافظاً واولى اهتماماته ترويج الحرية الاقتصادية لدرجة ان الحزب أُتهم في فترة من الفترات بتجرده من الانسانية من اجل تطبيق سياسته.
الا ان مالكوم الذي بدا متواضعاً وسلساً، له كاريزما جيدة، وانسانياً غير متطرف كسابقه طوني أبوت اليميني المتطرف، شبك الناس في غرامه وظن العديد انه هو الشخصية المعاصرة التي ستعيد لاستراليا امجادها وانتخبه الكثير حتى ممن كان ولاءهم لاحزاب أخرى.
ثم قعدوا، وانتظروا.
الا انه خيب آمال العديد، وهذا بناء على عدة مقالات منها احدثها واهمها الذي صدر من مجلة ذا مونثلي The Monthly magazine الاسترالية وهو مقال بقلم دون واتسون Don Watson بعنوان "غموض مالكوم تيرنبول The Mystery of Malcolm Turnbull" حيث تصدر المقال رسم كاريكاتوري لمالكوم يصوره بشكل عاجز وقليل الحيلة ووصفه الكاتب على انه قد فقد بريقه واصبح مملاً لا جديد منه سوى انه يُظهر مرة تلو المرة عن اماكن ضعف اكثر من القوة حتى ان العديد بدأ يتحسر على ايام طوني أبوت الذي بدا – ولو لفترة قصيرة - انه قادر على ان يكون حازماً في اتخاذ قراراته اكثر من مالكوم.
يوجه العديد من الاستراليين انتقادات حول سياسة حزب الاحرار منذ توليه الحكم عام 2013 الى اليوم، ومنهم من يقول ان الاحرار قد قلبوا الدولة ومؤسساتها الى شركة مساهمة لها سياج كبير تخفي وراءها اسراراً عديدة ولا يدخل ابوابها الا اصحاب رؤوس الاموال او المؤهلات العالية والنادرة، وانهم منذ توليهم الحكم قد حولوا حتى انظمة القطاعات العامة الى انظمة قطاعات وشركات خاصة لا تعرف للانسانية ولا لقوانين عدم التمييز والعنصرية حالاً ولا يستحون من التشهير بتمييزهم ضد الجاليات الاخرى لا سيما الجالية العربية ويمنعون عن ابناء الجالية المنتمين الى الدين الاسلامي حقوقهم في المساواة واحترام ثقافتهم.
كل هذه الاعباء والقضايا الانسانية – وغيرها طبعاً مما يتعلق بالاقتصاد والانماء _ تقف عائقاً امام مالكوم في تثبيت قدرته على انه رئيس وزراء "شاطر" وقد يصل بنا الحال الى التوافق مع دون واتسون على ان مالكوم قد اصبح، عاجزاً وان مسألة سقوطه الحتمية هي مسألة وقت فقط (The Monthly, October 2016, p10).
الى تلك الساعة، ماذا سيحل بالصغار في حجز ناورو؟