أجريت في الثاني عشر من شهر آيار هذا العام إنتخابات الدورة الرابعة لمجلس النواب العراقي، لإنتخاب (328) عضواً في مجلس النواب، والذي بدوره ينتخب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، طبقا لنظامه السياسي الذي أرست أسسه وقواعده سلطة الإحتلال الأمريكي عام 2003، القائم على أساس المحاصصة الطائفية والأثنية الذي لم يجن منها العراق سوى الكوارث والويلات وتدمير كل مقومات حياته والعودة به إلى عصر ما قبل الصناعة، ينقسم البرلمان إلى (328) مقعدا، منها (320) مقعدا توزع على المحافظات حسب عدد سكانها بواقع:
- ·(68) مقعدا بغداد،
- ·نينوى (31)،
- ·البصرة (25)،
- ·ذي قار (19)،
- ·بابل (18)،
- ·السليمانية (18)،
- ·الأنبار (15)،
- ·اربيل (15)،
- ·ديالى (14)،
- ·صلاح الدين ( 12)،
- ·كركوك (12)،
- ·النجف (12)،
- ·واسط (11)،
- ·كربلاء (11)،
- ·القادسية (11)،
- ·دهوك (10)،
- ·ميسان (10)،
- ·المثنى (7)،
وهناك (9) مقاعد مخصصة للأقليات بواقع (2) للمسيحيين ومقعد واحد للصابئة المندائيين في بغداد، ومقعد واحد لكل من المسيحيين والأيزيدية والشبك في نينوى، ومقعد واحد في أربيل للمسيحيين، ومقعد واحد في كركوك للمسيحيين، ومقعد واحد للمسيحيين في دهوك، وتشغل النساء ما نسبته (25%) في الأقل من عدد مقاعد البرلمان بحسب الدستور العراقي، تنافس في الانتخابات هذا العام ( 320) حزبا سياسيا وائتلافا وقائمة انتخابية، موزعة على النحو التالي:
(88) قائمة انتخابية
(89) كيانا سياسيا
(90) تحالفًا انتخابياً،
وذلك من خلال (7) آلاف و(367) مرشحا.
وهذا العدد أقل من مرشحي انتخابات عام 2014 الماضية الذين تجاوز عددهم (9) آلاف مرشح، لم تقدم هذه الأحزاب والكتل السياسية قاطبة أية برامج سياسية لإعمار العراق أو إنتشال شعبه من خط الفقر المدقع عبر خطط تنموية مستدامة بتوظيف قدراته البشرية والمادية الكبيرة، أو في الأقل توفير الخدمات الأساسية من تعليم وصحة وخدمات بلدية وتوفير فرص العمل للشباب وبخاصة خريجي المعاهد والكليات والجامعات، ووضع حد لهدر المال العام ومحاسبة الفاسدين والمفسدين، وحماية أمن البلاد ومنع أية تجاوزات أو تدخلات في شؤونه الداخلية، وصيانة ارضه ومياهه وسمائه من كل عابث.
إتسمت إنتخابات هذه الدورة بعزوف غالبية المواطنيين عن المشاركة، حيث أشارت المفوضية العليا للإنتخابات أن نسبة المشاركة في عموم البلاد وخارجها بلغت نحو (44،45%) من إجمالي عدد من يحق لهم التصويت مقابل نسبة (60%) في الإنتخابات السابقة.
وإذا إفترضنا صحة هذه النسبة، إذ ترجح جهات عديدة عدم صحتها حيث ترى أن نسبة المشاركة أقل من ذلك بكثير وقد تصل في بعض التقديرات إلى أقل من (20%)،. فهي وفي جميع التقديرات تعد أقل نسبة مشاركة في الدورات الإنتخابية الأربعة التي أجريت منذ العام 2005، برغم محاولات الكتل السياسية صغيرها وكبيرها المستميتة، حث المواطنين عبر وسائل إعلامها على المشاركة الواسعة بممارسة حقهم الإنتخابي الذي كفله لهم الدستور، بإختيار ممثليهم في مجلس النواب وعدم إتاحة الفرصة لإعادة إنتخاب الفاسدين، بينما يعرف القاصي والداني أنهم الداء وليس الدواء وأنهم مصدر بلاء العباد والبلاد، وهذا يعني رفضا شعبيا قاطعا للعملية السياسية بشكلها الحالي، الأمر الذي يتطلب إعادة نظر شاملة وجادة بمجمل هذه العملية بدءا بالدستور وإنتهاءا بقانون الإنتخابات بحيث يتم الترشيح بالشخوص وليس بالقوائم، تركت المرجعية الدينية العليا في النجف حق المشاركة من عدمها إلى تقدير المواطن وحسب قناعاته، وتأكيدها على إختيار العناصر النزيهة والكفوءة التي لم تشوبها شبهات الفساد ونهب المال العام، سواء ممن كانوا في السلطة أو خارجها من منطلق أن المجرب لا يجرب، بخلاف توجيهاتها في الدورات السابقة بحثهم على المشاركة الواسعة، كما نأت المرجعية بنفسها عن جميع السياسيين وكتلهم السياسية، وعدم السماح لأي من الكتل السياسية التحدث بإسمها أو بإسم الرموز الدينية الأخرى تصريحا أو تلميحا أو رفع صورهم في تجمعات الدعاية الإنتخابية، مما أفقد الكثير من هذه الكتل ورقة مهمة طالما إعتمدتها في السابق للتلاعب في مزاج الشارع السياسي العراقي.
جرت الإنتخابات هذا العام في أجواء أكثر أمنا وأكثر إستقرارا بخلاف ما كان يحصل في الإنتخابات السابقة، إذ لم تشهد جميع المحافظات خروقات أمنية كبيرة، وهذا جهد يحسب للقوات الأمنية، أعلنت نتائج الإنتخابات في مدة قصيرة بفضل الأجهزة الألكتروونية المستوردة لغرض التصويت وفرز النتائج، إلاّ أن ثمة شكاوى قد أثيرت من الكتل السياسية المتنافسة في هذه الإنتخابات عن حالات تلاعب وتزوير بنتائج هذه الإنتخابات، كان أبرزها في محافظة كركوك التي ما زالت تداعياتها مستمرة حتى الآن، تشير نتائج الإنتخابات الأولية التي أعلنتها المفوضية العليا للإنتخابات بتقدم تحالف سائرون بحصوله على (55) مقعدا، يليه إتلاف النصر الذي يتزعمه رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي (51) مقعدا.
وإئتلاف الفتح الذي يتزعمه هادي العامري (50) مقعدا، وإئتلاف دولة القانون الذي يتزعمه نوري المالكي (25) مقعدا، والحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود البرزاني (24) مقعدا، وتحالف الوطنية الذي يضم أياد علاوي وسليم الجبوري وصالح المطلك (21) مقعدا، والإتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه كوسرت رسول ( 15) مقعدا، وتحالف القرار العراقي الذي يضم أسامة النجيفي وخميس الخنجر (15) مقعدا، وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم (12) مقعدا،.
وتوزعت بقية المقاعد على الكتل الصغيرة الأخرى، يلاحظ من هذه النتائج عدم تمكن كتلة واحدة أو حتى تحالف ثلاثة كتل من تكوين أغلبية في مجلس النواب، وهذا يعني سقوط مشروع الأغلبية السياسية الذي نادت به بعض الكتل السياسية بهدف هيمنتها على السلطة وإقصاء الآخرين.
وبذلك ستجد هذه الأحزاب نفسها مضطرة للدخول ثانية في بورصة الصفقات فيما بينها لتشكيل الحكومة القادمة، وتوزيغ مغانم السلطة بحسب حجومها الإنتخابية، والتغطية على مفاسد بعضها البعض الآخر كما هو جار حاليا ومنذ سنوات.
وبالرجوع إلى نتائج الإنتخابات السابقة التي كانت نتائج ابرز الكتل الفائزة فيها حينذاك كالآتي:
التيار الصدري (34) مقعدا، إئتلاف المواطن (29) مقعدا، ائتلاف دولة القانون (92) إئتلاف متحدون للإصلاح (23) مقعدا، وإئتلاف الوطنية (21) مقعدا، والحزب الديمقراطي الكردستاني (19) مقعدا، والإتحاد الوطني الكردستاني (19) مقعدا، وإئتلاف العربية (10) مقاعد، وحركة التغيير الكردستانية (9) مقاعد، يلاحظ أن هذه النتائج لا تختلف كثيرا عن نتائج الإنتخابات الحالية أو نتائج الإنتخابات السابقة، إذ أنها تعكس بوضوح شدة الإستقطاب الطائفي والإثني برغم الصخب الإعلامي بالتوجه نحو المواطنة والمجتمع المدني الديمقراطي الحر.
ويلقي البعض باللائمة هنا على عزوف المواطنيين عن المشاركة بالإنتخابات مما ضيع عليهم فرصة التغيير، إذ إنحصرالتصويت بالمواطنين المسيسين الناشطين من مؤيدي الأحزاب والكتل السياسية المتصدية للسلطة منذ سقوط النظام السابق، وهذا صحيح في جزء كبير منه، إلاّ أن الأصح هو غياب أحزاب سياسية ذات هوية مدنية عراقية، أو شخصيات وطنية مستقلة مشهود لها بالكفاءة والنزاهة في المشهد السياسي العراقي الراهن، يمكن أن تكون خيارا مناسبا للإختيار، فضلا عن أن قانون الإنتخابات الحالي كان مصمما لخدمة الأحزاب الكبيرة ذات النفوذ الواسع والقدرات المالية الكبيرة والدعم الخارجي، الأمر الذي يعطيها أرجحية واضحة بالفوز.
وفي الختام نقول أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.