- أعتمد السامر أسلوب المشهد المرسوم عبر الكلمات الدالة على الأسماء والأشياء
- رسم صوره عبر تساؤلات لانهاية لها وأوقف المتلقي حائرا على أيهما يجب
اعتمد حبيب السامر على تشتيت الكلمات وتناثرها مستخدماً عنصر الزمن للتأثير على القارىء، وهي لعبة ذكاء أراد منها المطلق في الزمن ليكون فضاء كلماته غير ساكن عبر تحريك المشهد باختلاف الرؤى وتجذر مفهموها عند المتلقي، مستخدماً الإيحاء بان الزمن من الممكن أن يتوقف لنعيد ترتيب أوراقه وكلماته حسب قواعد اللعبة التي يندرج أداءنا في خضمها.
وهنا أعتمد السامر أسلوب المشهد المرسوم عبر الكلمات الدالة على الأسماء والأشياء (جمل اسمية أو اعتماد (شبه الجملة) ليعبر عنها عن الأفعال الدالة، وهي جزئية لم نجدها عند غير السامر.
وهنا وهو يستخدم القلق معبراً عنه بهواجس الكلمة الدالة على ما يشعر به الشاعر من مكنون يتمثل بأوصاف عدة حسية كانت أم ملموسة، وهي بالمحصلة تصف شعور الاغتراب الذي لمسه وعاشه الشاعر في معظم أبياته، ما يفسر تداخلات العنوان (الدهشة.. لعبة أخرى) أي بما معناه أن كل ما يحيط بنا عبارة عن فصول متتابعة من لعبة مستمرة وإن اختلفت فصولها، أو مسرحية أعدت دون تدخل منا لتفرض واقعها المؤلم الذي يمثل الاغتراب جزء كبيراً منها، لنتماشى وتلك الفصول طائعين مرغمين، وإن سجلنا بعض الاعتراضات.
الدهشة جاءت كصيغة مبني للمجهول في العنوان لتحيل القصيدة الى ما يشبه المبهم في تفسيراتها لأطراف اللعبة الدائرة، وهي صفحة من صفحات الألعاب التي عناها السامر لفظياً ما يكرس وجودها عبر الجزء الثاني من العنوان (لعبة أخرى) أي أن هناك العديد من الألعاب التي نعيشها، لكننا ربما لا نشعر بتفاصيلها أو أشواطها على الرغم من إننا ربما أبطالها أو المجسدين لحوادثها.
استخدام الجمل الوصفية القصيرة مقابل الاسمية الدالة هي تعبير عن الوصفي، وتكريس للحدث، ودلالة للمعنى بشكل واضح.
استطاع السامر التحكم بمفردات النص الشعري عبر التنقل مابين الممارسة الى الانضباط الذي تتحكم به أدوات الشعر الرصينة، فالشعر هو نتاج الواقع، وان ابلغ الأدب هو الواقعي الذي يتماشى مع التغييرات الطارئة وليس المعزول عنها أو عن بنيته المحددة بأدوات لا يتجاوزها الى غيرها.
تعمق السامر في الحياة وتفاصيلها، وتعمق أيضا في الأحاسيس التي تجتاح الإنسان، وذهب الى تعميق فكرة التساؤل عبر الدهشة التي تلفها الأسئلة، وتقلب بين الشك والفكرة، واليقين والصورة، بين الدهشة والانفعال، أراد حبيب السامر أن يكرس لفكرة التخيل عبر تساؤلات القصيدة التي تحمل استغراب في ثناياها مما يدور حواليه وحول الآخرين.
كما فَعَلَ النقاش حول العمر ومجرياته ليرسم صوره عبر تساؤلات لانهاية لها يقف على أعتابها المتلقي حائرا على أيهما يجب، وأن يضع حداً أو نهاية لفضول تلك الأسئلة التي تدهش أكثر مما تحرر فهماً لواقع لم نعد نفهمه أو يجسد لنا حلاً. ونقتطف أبياتاً من قصيدة (بوح في لجة الكلام) يقول فيها:
نلمح آثار أقدام ممحوة
توا
بفعل جنون الموج أو ربما.
وفي جزء أخر يقول:
كم أنا قريب من أسراري المجنونة؟
وكم أنت قريب مني!
فانا أبحث عنك في الحلم
ربما أجدك في غفلة المطر".
وما بين الماضي وأثاره وتراكماته، وبين العشق واللوعة تنقل السامر ليضفي فناً رائعاً عبر كلماته التي بينت انه يريد إيصال مفهوم الغربة التي يناقشها حتى مع نفسه، حين يجسد ذلك في ( ولا على المرآة حرج) :
غرفة...
مرآة تتوسطها، على حائط أملس،
تفضح، أم تكتم خيباتي لأنني عالق".
دائما ما تكون معانيه مليئة وكلماته دالة، وتلاحظ في ثنايا كلماته التي يستخدمها بتجرد قد شكلت بأبعاد مدروسة تدخل في ضمنها مفاهيم روحية وأخرى تحمل أبعادا من الزهد.
هو يجنح الى الوضوح أكثر من غيره، وهنا نسجل انه نهج نهجاً واقعياً بعيداً عن لغة الخيال والأدب الوصفي، أي أن السامر ولج بحور الواقعية وأجاد فيها.
فقد ميزت كلماته وضوحاً في الوصف الذي يصل حد الإقناع أو الوضوح حين يعرض تأسيه ولوعته مقابل تمنع من يحب فيقول:
تدخر رفرفتها ليوم آخر
لم تك واضحا مثلي لتقاوم تكسر الأقاويل
وتطفو هادئا على جسد الهواء
لا وجه يشبه ظلك
هل أدركت أنك أسوأ مما ينبغي
أيها الهامس حين يشتعل الكلام"
الذات هي ما تعكس سيرة الإنسان، شاعراً كان أم فنان، والوصفي لا يخرج من نطاق الواقع، وتجربة الحياة هي مرآة تعكس شمولية النظرة لكل مفاصل الحياة ومنها الشعر، والذي لولاه ما كان لنا هذا الإرث الذي يخلد لفترات وللذوات وقدرات وأشياء وأماكن أفل نجمها ونجومهم، ولتباعدت الشقة بين أطراف الحياة ناسها وبنائها وشخوصها.
ومن هذا أراد السامر أن يبقى مع ذاته ليعكس لنا كل ذلك، ولا يبتعد وليرسم صورته وفق ما أراد دون رتوش أو بهرجة، فكان أن جسد ذلك كله في ( شذرات) حين قال:
ليطبطب عليها مواسيا
يأخذني مرة ظلي نحو النهر وأخرى الى السرير
يرقد قبلي لكن الوردة
تموت مثل سنواتنا الخجولة
ليسرقنا العمر في "ليل التنومة
مؤكدا "يسرقنا الليل ونحن نحتفي بقمر يتلصص
لا وقت للنعاس".
وللشاعر حبيب السامر أربع مجموعات شعرية مطبوعة، الأولى “مرايا الحب مرايا النار” عام 2001 والثانية “حضور متأخر جداً” عام 2005 والثالثة “رماد الأسئلة” بطبعتين الأولى عام 2008 والثانية عام 2013 والرابعة “أصابع المطر” عام 2012.
وله تحت الطبع مجموعة شعرية (شهرزاد تخرج من عزلتها).
ومن جميل ما كتب الشاعر حبيب السامر اخترنا لكم ( عصا الخرنوب):
عصا الخرنوب
(1)
على سياجِ مقبرة الانكليز
تتعانق
أَغصان الخرنوب
وفي الطرِيقِ إلى مدرسة الرباط
يحشر التلاميذ
أَجسادهم بين القبور
التلميذ الهارب من الدرس الأول
يسرق زهرته الأولى من المقبرة
الحارس يقظ
يطلق صيحة،
الخرنوب العالق بقمصانهم البيض
يرسم آثَار فَوضاهم خطوطا على أَجسادهم الغضة
يسرقهم النهار
وهم يتلذذون بقَطف الأَزهار
(2 )
مخيف هو ليل المقبرة
و في الصف هم غائبون
بِعصاه الغليظة
المعلم يتوعد
المراقب
بحروف كبيرة يكتب أَسماء الغائبين
يبدأَ المعلم الدرس
تلاميذ المقبرة غائبون
تتكرر الصورة ، آثَار الخرنوب
شوك الخرنوب الناتئ
يعلق ،
ينغرز.