- لغته الشعرية هادفة ومباشرة و أسلوبه تميز بوحدة القافية
- اعتمد الاستذكار الحسي بشعره وأدخل فيه الوصف كعنصر أساسي
جاء حسام البطاط بصيغة الوصف مفتتحاً قصيدته التي دخل الى حبكتها من الماضي ليكرس تجليات الذكرى بألم الوصف، الذي اعتمده كركيزة أساسية لبناء معالم هيكله الشعري، فذهب ليصف الماضي وكأنه ذكرى عبرت وتلاشت ومسحت ما كان(فما أبقى لهم أثرا)، بل عمد لتصويره بأنه منكر لا وجود له في الذاكرة، بأوهامه وذكرياته السالفة ، والتي تترك أثرا عميقاً لدى صاحبها، عله كان يريد الخروج من هذا الأثر الغابر الى عوالم أخرى، لكنه دفع بالتلاشي مقدماً ليحرق كل طرق الدخول الى طريق الأمل، وعمد الى ذلك كله بلغة هادفة مبسطة وبأسلوب مباشر.
استخدم أكرم الوصف والموصوف، الفاعل ونائبه زاجاً كليهما في متون أبياته ليكرس وصف الحدث عبر ما تناوله من إحساس أو شعور بعدم جدوى التذكر أو تكريس الذكرى،معتمداً الاستذكار الحسي بشعره والذي أدخل فيه الوصف كعنصر أساسي،فجاء على ذكر (أنكرا) كفعل وصفي لا يخلف إلا التلاشي، ومنه لا يكون فعل الكتابة منتجاً أو متفاعلاً مع انكسار الكاتب ، وهذه عبر عنها البطاط حين استخدم ( وجرد الليل من ظلمائه) أي تلاشيها، وساعة ذاك لم يعد للمرور من جدوى في الوجود.
قصيدة حسام بقافية الألف ، لم يخرج عنها الى غيرها، ليفعل القافية بوزن أخر ، وكأنما أراد لها أن تكون (ألفية) الوزن وليس عددية الرقم، استخدم الوزن الواحد كدلالة على توحيد الحالة التي دلت كلماته التي انتقاها وكتب بها أبياته زوال الأثر بعد المرور، أي فقدان الماضي بما يترتب عليه من ضياع وتلاشي ونكران مثله ( كغيم أنكر المطرا)، وهذه يقصد فيها القيم وزوالها، وهي حالة نقد لمجتمع لم يعد كما كان في السابق نتيجة أحداث معينة غيرت نمطية ذاك المجتمع.
عالج البطاط الوزن بلغة سلسة وموسيقى محببة رافقت وقع القصيدة ونمطيتها، فأضفت عليها طابع الخوف من الماضي ، بل حتى من الحاضر والقادم، استخدم الكثير من المفردات التي تدل على تكريس معنى الخوف ولو ضمنياً مثل (أنكر، جرد، سرى، ينحت، أماله، فينزف، قرى)، هذه المفردات التي جمعها حسام البطاط بمطلع قصيدته تعكس حالة ما يشعر به الشاعر حين تنتابه موجة خوف وتتلبد في دواخله فيعبر عنها بمزيد من القسوة والألم ليجسدها واقعاً عبر شعره، أي استشعار الحالة والتعبير عنها، وليس وصفها كما هي، بل إحساسها فعلياًن وهي ميزة تحتسب للبطاط، كون الشاعر ما يعيش الحالة ويعبر عنها لا أن يكون مجرد ناقل لعاطفة قد تكون باردة في مضمونها إن هي وصفت.
لذلك كانت لغته الشعرية هادفة ومباشرة وهو أسلوب مميز ، ربما تأثر فيه بشاعر من الرواد ، لكنه أبدع فعلاً، إلا أن هناك شيء يشد حسام البطاط نحو الخوف أيضا في نصه (سحابة خوف) ، حيث كرر كلمة ( مروا) وهذا التكرار يحمل صيغة وصفية بالإضافة الى كونه دلالة على الفعل بصيغة الماضي يدفع بعملية إعادة الذاكرة الى مكنون الفعل الذي جسد حركية المتن بزمن المرور، لذلك عكس أكرم صورتها النمطية المتمثلة بالخوف على هيئة الماضي، فجسده مخيفاً بتفاصيله، ولا نعلم ما الذي دفع حسام البطاط لتجسيد الخوف من الماضي، ربما لا يذكر الشاعر عن قصد نقاط ضعفه كانسان ، ولا تعنينا طبعا ذلك ما يخص البطاط وحده، لكن الذي يهمنا كقراء لماذا يتم تكريس الخوف الى هذا الحد عبر أبيات القصيدة.
البناء العام للقصيدة بنى على الاستذكار الحسي، والذي يدخل فيه الوصف كعنصر أساسي من عناصر الشكل الذي وظفه البطاط لتخرج قصيدته على غرار ما قرأنا، لكن حبكة القصيدة ذهبت بنا الى أن الماضي لا يتأتى له أن يكون عيناً على المستقبل، لنجعله ركيزة نبني عليه ما هو قادم ، ولبرما يكون امرأ مخيفاً احتوى ذلك الماضي وجعله لا يفرق كما ذكر البطاط بين (الأثر والإنكار و سريان الليل). أخذت جزئية الخوف من حسام البطاط حيزاً واسعاً في آبياته، الى أن كرسه كحالة متواجدة مستمرة معه في مساره الماضي، حتى باتت مفردة ( وانهمرا) التي ذكرها تُعرف ما ينتابه من خوف.
الإصرار على القافية الواحدة حتى نهاية القصيدة لا تعني وحدة الموضوع، وإنما تسدي للشاعر في بعض الأحيان ما يخدم نصه وانسجامه إن هو استطاع أن ينتقي مفرداته بإحكام ودقة، ونرى أن البطاط استطاع أن يحسن الانتقاء لمفردات أبياته التي حملت دقة التكوين ووحدة الوزن التي استرسل بها على ما يشبه التقليد الثابت والضروري للبناء التكويني للقصيدة بمجملها، والتأكيد على التكرار كما ذكرنا كحالة وليس كتكوين، فالشاعر لا يُعنى بالتكوين قدر اهتمامه بالحالة التي يبني عليها حبكة قصيدته، أي القالب، وقالب حسام جاء على صيغة الحركة باعتبار ( مروا) متحرك غير ساكن.
وهنا تكون المشاعر حيث يريد بلغة بسيطة لكنها عميقة، ينتقي منها ما يشاء ليرسم الصورة التي أرادها لشكل القصيدة ليوصلها للقارئ عبر ما يختلج في داخله من شعور ، تكراره جميل ومفرداته أجمل، هو يعبر بطريقة الدلالة الشعرية، أي (تكريس المثل) كي لا يترك مجالاً لسوء الفهم أو الإبهام والغموض ويستخدم لغة واضحة جلية دالة على الحدث.
مَرّوا عليهِ ، فما أبـقى لهمْ أثرا
مرّوا ، فكانَ كغيم ٍ أنكرَ المَطرا
مروا فأخرجَ منْ أضلاعهِ قمرًا
وَجَرَّدَ الليلَ منْ ظلمائهِ وَسَرى!
وَرَاحَ ينحتُ مِنْ آمالهِ وَطـَنـًا يحنو فينزف كونـًا ناعمًا وقـُرى
رسم البطاط حالة من الترقب في قصيدته، والترقب يفضي الى المفتوح على المجهول، أي ان بناء جزءه الثاني في القصيدة بني على المبني للمجهول ، وهنا يكون قد ادخل الوصف في ميزان موسيقاه الشعرية ليكرس الشاعرية التي تتناغم مع الموسيقى في شعره ولينتج منها صورة رغم أنه وصفها بالمؤجلة لكنها احتوت على حقيقة ثابتة مثلها بالموت تحت ظل الانتظار .
حين يعود الى موضوعة الأمل نراه يدخل المكابرة كصفة تنم على التحمل دائماً في مفهومها، ما يعني أن البطاط لجأ الى الواقعية عبر استخدام حقائق بعينها مثل الموت كما قلنا ليضفي على أبياته مسحة منها الى جانب الوصف حين جاء به لتفسير المرور على الوجع الذي يخلفه الخوف، بناء حسام البطاط لشكل القصيدة التي كتبها أعتمد على عناصر عدة منها وحدة التصور والمكان والشعور بالخسارة نتيجة فقد ما كان، أي بنى على الظرفية التي مثلها ب (المكان والزمان)، والشخوص متمثلة بالمضارع والأدوات مثل (ظل) ومعناه (هو)، والأدوات ومنها (الريح)و (الأمل)، إضافة الى ما يختلج النفس من إحساس ( الأمل المكبوت).
البطاط عالج سحابة خوفه التي ضمنها قصيدته بالهروب الى الماضي، وتمثيله بما يشبه الهوس المخيف عند استذكاره، وهذا الإسقاط هو ما يعكس حالة الشاعر حين يشعر بمادة القصيدة وتفاصيل تقلباتها، والتقمص الذي يعيشه حالة الكتابة أو المخاض ليظهر حروفه معبرة عما يجول في خاطره وكأنه يسمي ما مر به من شعور لينقله الى القارىء عبر ما يشبه بتجربة ذاتية.
وظلَّ يرقبُ أحلامًا مؤجلة ً
فـَمَاتَ ميعادُهُ في الظلِّ وَانهَـمَرا
يَمرُّ كالريح ِ لا يَـلوي على وَجَع ٍ وَلا يُطـأطئُ جرحًا نازفـًا كِبَرا
يُؤطرُ الأملُ المَكبوتُ ُقلتـَهُ لتـَستـَفيقَ رَذاذا يـَعبرُ الأطـُرا !
ويهرب البطاط الى متاهة من الأشياء لا يفهم ماذا أراد منها، ليزجها في متون النص المفعم بالخوف، والجميل بما أحتوى من صور رُسمت أبعادها على حدود الحذر والتوجس،لم يدفع عنه هاجس الخوف الذي اعتراه منذ بداية القصيدة، إلا انه ذهب لاستخدام التشتيت أو الاستعاضة عنه بكلمات أبقته رهين هذا الشعور (الطوفان، الخرساء، الصمت، دمعة قلم) إلا إنه ورغم استخدامه لتلك الكلمات لم تغير من طابع القصيدة الوصفي.
فقد أبقى البطاط على وحدة القصيدة من ناحية المعنى الى نهايتها، لذلك جاءت صورتها نمطية شبيهه بقالب متحد من البداية حتى أخرها، ملتبسة بالخوف من الماضي الذي شكل عنده بعداً واحداً جسد أرقاً مزمن لديه في استخدام مفرداته وتناوله بشيء الإفراط.
حتى إذا عَبثَ الطوفانُ في فمهِ!
وأومأ الليلُ أن كونوا لهُ عِبَرا
نامتْ مدينـَتـُهُ الخـَرساءُ فيدَمهِ وَرَاحَ يطرقُ بابَ الصمتِ ، فانكسَرا !
مَـروا عليهِ فأحيا دَمعَـهُ قـلمٌ
يجري كتهـمةِ قلـبٍ ماتَ مُنتحِرا
حسام البطاط له العديد من القصائد والنتاج الشعري نذكر منها مثالاً : النزف الأخير، عزلة بلون البحر، جرح الماء، تجليات قمرٍ جنوبي، معنى الخلود، سحابة خوف، وغيرها الكثير .