في لقاء أجرته معي صحيفة عراقية أثناء مشاركتي في مؤتمر الكفاءات الذي انعقد في بغداد في العام 2009 قلت: أشعر بسعادة كبيرة بالحرية التي يتمتع بها الرياضيون العراقيون في هذه المرحلة، لكن هناك فهم فوضوي للمعنى العام للحرية، وهو أمر يثير القلق.
نعم، كنت أشعر بالسعادة، إذ وجدت الرياضي العراقي يقف بوجه المسؤول، أي مسؤول، وزير الشباب، رئيس اللجنة الأولمبية، رؤساء الاتحادات، ليقول ما يريد قوله من دون خوف، لكن، هل كانت هذه الحرية التي حصلت بعد ظلم الجبابرة في عهد المقبور "عدي " هي الحل الذي يصل بالرياضة العراقية الى الارتقاء لمنصات التتويج في البطولات الخارجية، لاسيما في ظل العامل الفوضوي الذي غلفها بشكل واضح؟
بالحقيقة، لم يكن الأمر كذلك، إذ أن فوضويتها، نعني فوضوية الحرية أفرزت معادلات غريبة وعجيبة في الوسط الرياضي، فبعضها وصل الى أنه أصبح من حق هذا، أو ذاك تهديد هذا، أو ذاك، وأيضا من خلال هذه الفوضى وصل الجهلة الى مناصب قيادية، وكذلك وصل من خلال هذه الفوضى العديد من الطارئين، أما الأدهى من كل ذلك فقد أصبحت الرياضة منفذا جديدا للاحتراب السياسي بين الأحزاب الكبيرة، فهذا الحزب يروم السيطرة على هذا النادي، وذاك الحزب يروم السيطرة على ذاك الاتحاد، ومثلهما دخلت وزارة الشباب والرياضة على الخط نفسه، خط الاحتراب السياسي بين هذه الأحزاب.
من المؤكد أن حالة الفوضى، أدت الى انتقال حالة الفساد الاداري، والمالي، والقانوني التي تعم أرجاء البلاد الى القطاع الرياضي، ومن ذلك الرواتب المجزية التي يتحصلها المتنفذون الجدد في قطاع الرياضة، وكذلك الايفادات العشوائية المرافقة للوفود الرياضية، تلك الايفادات التي من كثرتها اضطر أصحابها الى تجديد جوازات سفرهم لمرات عدة قبل نهاية المدة القانونية لجوازاتهم، وأيضا برزت على الساحة الرياضية ظاهرة تزوير الشهادات الدراسية التي وصلت الى حد غير معقول، إذ يظهر المزور بكل وقاحة في شاشات التلفاز شاتما الأشخاص أو الجهات التي فضحت فعلته النكراء، وحديث التزوير يجرنا الى استشراء ظاهرة تزوير أعمار الفئات العمرية في المنتخبات الوطنية وهي حالة قديمة تجددت في السنوات الأخيرة بشكل مُلفت للنظر.
هناك أنواع أخرى عديدة من حالات الفساد التي عّمت القطاع الرياضي في السنوات الأخيرة، وهو الحال نفسه الذي عّم قطاعات عديدة تمس حياة المواطن العراقي، لكن الفارق الواضح أن المواطن العراقي خرج بانتفاضة شعبية حدد فيها مطاليبه الاستحقاقية التي لاقت قبولا ودعما ومساندة من المرجعية الدينية في النجف الأشرف، فضلا عن الاعتراف بها من قبل الحكومة العراقية، ومثله البرلمان العراقي (غصبا عنهم)، بينما حال الرياضي ظل متخبطا بالرغم من الفرصة العريضة التي أتاحها له المواطن المنتفض، إذ لم يحسم الرياضي استحقاقاته المغتصبة بشكل واضح وملموس، والظاهر أن آلة الفساد لازالت أقوى من أصحاب الحقوق.
الاستحقاقات الحقيقية للرياضة العراقية واضحة المعالم، لذا نتمنى إن نضع النقاط على الحروف قبل أن يشغلنا الفاسد وأتباعه بقضايا سطحية تبعدنا عن هذه الاستحقاقات، ومن أهمها تطهير الرياضة من الجهلة من خلال وضع ضوابط ادارية وقانونية للانتخابات تخص الهيئات العامة في الأندية والاتحادات وتحديد شروط وآليات للأشخاص الذين يرومون الدخول في المنافسة على عضوية الهيئات الإدارية، تساهم في عدم دخول الجهلة والطارئين الى الهيئات الإدارية، وكذلك الوقوف بحزم ضد تدخلات الأحزاب السياسية في القطاع الرياضي، إذ بات من الواضح اختراقها للرياضة العراقية ببشاعة واضحة، وأيضا وضع ضوابط للاتحادات الرياضية لمسألة الايفادات التي أصبحت عبارة عن سفرات سياحية وترفيهية من دون خجل من قبل الاتحادات بالرغم من الضائقة المالية التي يمر بها البلد.
ولا يفوتنا أيضا التذكير بظاهرة " الأندية الوهمية" التي يجني منها الفاسدون الأموال الطائلة من دون تقديم أية خدمة للرياضة العراقية، من المؤكد أن خطوات الإصلاح الرياضي والقضاء على المفسدين تحتاج الى وقت ليس قصيرا، لكن لابد لنا من الانتباه الى قضيتين مهمتين، أولهما أن تكون البداية، بداية الإصلاح، مبنية على أسس مهنية وقانونية، وليست على مصالح ضيقة وفئوية، وآنية، وأما ثانيهما فيجب تسليم هذا الملف الى أشخاص من القطاع الرياضي نفسه وبمراقبة من جهات حكومية يقوم بتسميتها رئيس الحكومة العراقية الدكتور حيدر العبادي الذي تقع عليه مسؤولية تطهير القطاع الرياضي حاله من حال بقية القطاعات الأخرى التي تمس حياة المواطن بشكل مباشر.