أرض الرافدين أنعمها الخالق بوفرة الماء فصارت صفاته تلازم صفات أبنائه.
ومن صفات الماء المغيض الذي يغيب في الأرض، والصديد، والمهل، والطهور والأجاج الذي لا يستستاغ شربه كالآسن، والفرات سائغ شرابه، والمنهمر أي المتدفق بغزارة وغيرها من الصفات كالسلسبيل وهو ماء في غاية من السلاسة وشدة العذوبة.
وجاءت صفة الماء في نقد لاذع لمحافظ الناصرية عندما رد شيخ عشيرة البهادل بقصيدة شعبية ذاع صيتها وتقدس مغزاها عندما قال في أحد ابياتها :
"الماي اشكد شريف او بيه حياة الكون...ايدوِّر الناصية او مادوَّر التلة"
فالعراقي الأصيل يمتاز بصفة الماء الفرات، وإن أجبرته الشمس على التبخر والصعود الى السماء، يأبى إلا أن يكثف نفسه ليعود ماء طهورا، مشذبا ذاته من الأسن والصديد، عائدا سلسبيلا باحثا عن النواصي مبتعدا عن قامات التلول كما وصفه شيخ البهادل.
متلازمة الفنان حيدر عباس في الغربة هي الماء وما يحتويه، يسيل في وديان الفن التشكيلي بهدوء، يسقي ما نبتت به أفكاره من ثمار ألوانه وهو يقيم معرضه الفني العاشر في استراليا، معتمدا على ذاته المتشذبة، بلا دعم ولا التفاتة من رافديه، يسيل دفقا راسما ألوان العراق في مغتربه لا يريد منا جزاء ولا شكورا.