بين الحياة والموت لحظة لا يحتسبها الزمن، لكن موقفها تتوقف أمامه عقارب الساعة مشدوهة وهي ترى التاريخ يسطر ملحمة إنسانية بطولية قل نظيرها تتناقض خلالها المبادئ بين طرفي القتال.
مطلك سوادي قرر انقاذ طفل موصلي، حضرت بين عينيه أمه وابنه رمزان للعشق الفطري الجنوبي.
نخوته لا تحتاج الى تحفيز فهي تنبض بروحه، فكان واحدا ممن يقف الوطن له اجلالا وتزغرد الأمهات والاخوات والحبيبات له مرتين، مرة وهو كالأسد يثب لإنقاذ رضيع من بين مخالب الذئاب، وأخرى عندما تجثو ركبتيه على كحل العراق ومازال بين ذراعيه طفل الموصل الذي سيروي البطولة.
في الجانب الآخر يستمتع الذئب وابن آوى بتوجيه اطلاقة قناصتهما نحو مطلك الذي ودعت روحه جسده، لكن ذراعاه ما انفكتا عن حفظ ذلك الطفل الذي توقف مع الزمن يدون البطولة كما دونها الشيخ الكردي الذي أصبح رمزا من رموز حلبجة وهو يجثو منحنيا على طفل بريء غادرت روحه مشبعة بغاز الخردل.
التاريخ لم يولد من العدم بل من الموقف، فأبطالنا مازالوا يضحون بأرواحهم من أجل المبادئ، يتسابقون لا يهابون الرصاص، يتلقونه بصدورهم من أجل جلب "شيلة راس" موصلية رفعتها عن رأسها الدهشة وسرعة الريح المخيفة، شهيد آخر من أجل شرف أخته، الذي اختزل فيه شرف العراق بعينيه، فأبى إلا أن يحافظ عليه. هذا هو العراقي على مدى العصور غيرة وشهامة وشيلة راس.