تعرف العَلمانية بفصل الدولة وسلطتها عن السّلطة الدّينيّة ورجال الدين.
وبمعنى أعم هي عدم اجبار الدّولة أيّ أحدٍ على اعتناق دينٍ أو تقليدٍ معيّنٍ يصب في مصلحتها.
إن الأنشطةَ البشريّة العامة والقراراتِ السّياسيّة التي تبنى عليها القرارات الأخرى يتحتم عليها ألا تكون خاضعة لتأثيرات المُؤسّسات الدّينيّة، وبذلك تتأسس الدولة المدنية التي تحمي أفراد المجتمع وتصون انتماءاتهم الدينية والقومية والفكرية.
فالعلمانية ودولتها المدنية لا تقصي الآخر ولا تكفر معتقده الديني، بل تسعى الى الاتحاد والتعاون بين أبناء المجتمع وتساوي بينهم كأسنان المشط.
إن وجود القوانين التي يطبقها جهاز قضائي عادل هي من الشروط الأساسية لمثل هكذا دولة، إذ لا تتاح فيها فرصة الاعتراض على الحقوق الإنسانية المشتركة ولا يكون فيها تجاوز من طرف على آخر.
لقد ظهرت الصورة جلية لأبناء العراق من خلال التطبيق المحاصصي في إدارة الدولة الى فشلها، مما دعا الى ظهور حركة نضالية تطالب بالأهمية الاستثنائية لإعادة هيكلة الدولة ضمن نظرية الدولة المدنية والتي يضيق المكان لشرح مقوماتها.
لقد أثبتت السلطة القائمة في العراق وعلى مدى 14 عاما أنها أسست الى مكونات وهمية أدت الى عزل أبناء الوطن وجعلت انتماءاتهم أما مذهبية، أو دينية أو قومية لتلك المكونات مما فكك الترابط الوطني التي ترعاه الدولة المدنية وترعى كذلك تلك الانتماءات.
إن المطالبة المشروعة بالدولة المدنية من قبل أبناء الشعب الذين ذاقوا المر عبر ما مضى، أيقظ المخاوف لدى المنتفعين المتعصبين، لما يشكله من تهديد واقعي لمصالحهم الضيقة، فبدأت الفتاوى التي لا تعتمد على سند، تكفّر مرة، وتحذر مرة أخرى، وبدأ الإعلام الرسمي للأحزاب استخدام الاتهامات الجاهزة والصاقها كتهم مريبة لتخويف المواطنين بشكل متواصل من كل المنابر المتاحة لهم-وما أكثرها- فالعلمانيّون يرتبطون بأجندات خطرة، ويرتبطون بالغرب أو بأطراف أجنبيّة واقل التهم أنهم كانوا على ارتباط بالنظام السابق ”بعثية“.
ولكوننا موضوعيين ولا نرد التهم بمثلها، فان الحقائق التي لم ينسها التاريخ تشير الى وصول هذه الأحزاب الى السلطة على دبابة بوش، ولاتزال ترتبط، أبت أم رغبت، بأمريكا مع سبق الإصرار والترصد فهي مرتبطة بشكل أو بآخر بأطراف أجنبية.
العلمانيون ليسوا كفرة، كلهم مؤمنون، فلم الخوف منهم وهم لا يكفرونكم، ولن يمنعوكم من ممارسة طقوسكم، بل سيمنعونكم من النهب والسلب ويوقفون الفوضى الأمنية التي أودت بحياة الأبرياء بسبب غياب الدولة المدنية، ويبنون وطنا تتساوون فيه مع الجميع.