التطرف من المفاهيم التي لا يمكن تعميمها واقتصارها على ظاهرة واحدة في المجتمعات المختلفة او في الفكر السياسي المتنوع، وهو بشكل عام مفهوم الخروج عن الاعتدال المألوف، والذي هو بدوره مفهوم لا يمكن تحديد مرتكزاته وتوحيدها، لانه يختلف نسبيا من مجتمع لآخر، ومن زمان لآخر.
إذن، التطرف والاعتدال مفهومان مرهونان بالحركة الزمانية والمكانية، ومرتبطان بالمؤثرات الدينية والسياسية، وأبتعد هنا عن المؤثر الثقافي، لانه وان كان جوهريا، لكن الموضوع يَصب في التطرف المبني على أساس المؤثرين الاولين.
لقد أرادت النائبة الاسترالية بولين هانسون، زعيمة حزب امة واحدة منذ أيام، بارتدائها البرقع في مبنى البرلمان كرمز ديني لأكثر من نصف مليون مسلم استرالي، لتثير مخاوفها من الاسلام كعقيدة، ان تتحول من مجرد فكر يميني متطرف، الى سلوك جلي لعمل سياسي لم ينقصه الا العنف، كوسيلة لتحقيق هدف سلخ استراليا من الاسلام والمسلمين.
وفِي الوقت الذي تصرخ جنونا، خوفا من الاٍرهاب "الاسلامي" على حد زعمها، إنما مارست الاٍرهاب بحركتها المثيرة للسخرية، حتى من أعضاء مجلس النواب الذين وجهوا لها انتقادا لاذعا، فهي مارست الاٍرهاب النفسي والفكري، وأوغلت في زرع بذور الضغينة في نفوس أبناء المجتمع الأسترالي المنسجم بتنوعه الثقافي والديني، يعيش من اجل الانتماء للوطن اولا.
إن التشابه بين تنظيم داعش والنائبة هانسون، أن كليهما متطرفان الى الأقصى المنحرف عن السلوك المقبول؛ الاول يمارس التطرف بإرهاب السلاح والرعب النفسي، والثانية تمارسه بالإرهاب النفسي والفكري السياسي.
لا يختلف الاثنان الا باستخدام الوسائل المتاحة، فهل ستحقق زعيمة الحزب اليميني المتطرف "أمة واحدة" توحيد الاستراليين بشعارها واسم حزبها، وهي بهذه الحدة من التطرف والابتعاد عن الاعتدال الذي يتغنى به الشعب الأسترالي؟