إن الشعور يرتكز على الوعي والإدراك المعرفي المباشر بالمؤثر الذي يولد الانفعال المرتبط بالبهجة او المرتبط بالألم والحزن، فالانفعال كمفهوم شائع يتلازم فكريا مع الإحساس السلبي الذي يؤثر بالجوهر المتزن، فيغيره ويمسخ الحالة الثابتة، محولا اياها الى تكوين جديد مختلف بذلك عن الأصل.
إلا أن الفلاسفة كارسطو، يعبرون عنه بدلالة تغيير الشيء بتأثير شيء اخر، ولا يتحددون بالشكل السلبي، بل ان الفرح انفعال والحزن انفعال.
غالبا ما نسمع بالانفعال المفتعل، الذي تختلف وسائله ويختلف أداؤه من شخص لآخر، لكنه يختلف عن الانفعال الحقيقي التلقائي، بتغيير الجوهر بشكل ظاهري دون المساس بمكوناته الحقيقية.
ان ظاهرة الافتعال هي ظاهرة نفاقية، تبتعد عن الموضوعية لعدم صلتها بالجوهر، فهي حالة يريد البعض منها الوصول الى مرحلة إقناع الذات اولا، واقناع الغير ثانيا، بانه جزء من الحراك الإنساني والترابط الجدلي في المحيط. وتشير طبيعة الانفعال إلى صلتها بالسلوك الذي يصاحبه، ولكن لكل منهما محركا خارجيا يؤثر به، دون ان يكون للإنسان سيطرة على أدائه، كفرحنا بانتصارات ابطال العراق كمؤثر مباشر في مشاعرنا الإنسانية التي تولد البهجة وتبعث الفرح.
إن أدوات الانتصار كالشهادة، هي ذاتها التي تولد الانفعال المعاكس الذي يلقي بظلال حزنها وألمها تلقائيا، على أمهات الشهداء الذين جعلوا من دمائهم حناء زينت راحة كف الوطن.
إذن، يمكن للمؤثر الواحد بظروفه وأدواته، ان يولد الانفعالات المختلفة وان كانت متناقضة، وفي حقيقة الامر أنها تختلف عن الافتعال الذي ليست له مصادر تأثير خارجية، سوى تلك الذاتية التي يولدها الانسان في اللحظة، بشكل مؤقت ولضرورة خاصة به، فهي ليست تلقائية، بل جاهزة في الرصيد النفاقي، متى ما أراد إظهارها.
وعلى سبيل المثال، الكثير منا يتعامل بدراية عالية لحد ادق التفاصيل، بمعرفة أعضاء المحيط الذي يسعى بعضه إظهار الحب والفرحة بلقاء الآخر، بينما يخفي في بئره ذئابا تنهش الآخرين في عتمة الليل ووحشته. ان ما تضمره نفسه يخالف الظاهر، ويبتعد عنها كبعد المشرقين عن بعضهما.
نحن نعيش أزمات نفسية أخلت بالنظم الفلسفية للانفعالات الحقيقية، وصيرتنا أدوات بحث ننقب عن الحقيقي من تصرفنا، وفق مفاهيم الوجدان وما يترتب عليه في العلاقات الانسانية.