مظاهر التحيز التي تؤثر على عقلانية التفكير والتصرف، هي جزء من المغالطات المنطقية التي نسعى للتقليل من أثرها في قراراتنا الحاسمة. والتحيز يأخذ أشكالا متعددة مرتبطة بالمكان والزمان، كالاحتشاد الذي تظهر مرتكزاته الاجتماعية في مراحل الحرب والصراعات الفكرية والدينية. والتحيز هو نزعة تفضيل الشيء على الشيء الآخر، كأن يكون فكرا، رايا، وجهة نظر، أو قرارا ما. ومن خطورة التحيز أن تتوارد المعطيات التي يبنى عليها الرأي الذي لا يمكن مقارعته أو الدخول بحيثياته، لأنه اكتسب الشرعية المطلقة. لقد اتسعت مساحة اعتناق التحيز، على حساب الموضوعية التي تدعونا الى قوة الاستنتاجات أو الاستدلالات، بثبات المعايير المنطقية التي يتفق عليها العقل الإنساني المتزن، وفق الثقافة العامة التي ننتمي اليها ضمن السياق التاريخي.
وأصبح التحيز مبدأ يكون من الشواذ الابتعاد عنه وعدم الارتماء بين ممارسته. إن التصرفات الشخصية التي تلفظها قاعدة المبادئ الموضوعية وكذلك التحيز الاحتشادي، إنما توصف بالذاتية المنتمية الى شخص ما أو مجموعة صغيرة على حساب القاعدة العامة التي ترتجي تصرفا يصب في مصلحة الفكر أو الرأي الواحد.
وكون الوقوع في فخ التفكير المنفرد المبني على العمل الذاتي، لا يحقق سوى منتج يسوء مضمونه ويرفض تلقيه، لأنه لا يولد في ظرف ذاتي خاص به، فانه نتاج المؤثرات الخارجية والداخلية التي تحتاج الى الروية باستنباط الأدلة وعميق التفكير، إذا ما كان لذلك التصرف أثر على المحيط الجغرافي الذي يرتبط بتحيزات مختلفة، من بينها التحيز المبني على عقيدة ما.
إن الموضوعية قاعدة تلزم المتصدي للمشهد العام الالتزام بها، والتصرف وفق سلوكياتها بعيدا عن المكتسبات الذاتية، لأنها التزام مادي ومعنوي، يجب ألا يخرج عن حدودها مع المحيط العام الذي يشترك بخصائص مشتركة.
وإلا فان فرط التفاؤل في تبرير الاختلاف، واتخاذ القرار الذي لا يتناغم مع انسيابية حركة السرب المشترك، تؤدي الى الابتعاد عن الواقع وتشابك خيوط الانسجام، بينما الواقع يتطلب الاستعداد لمواجهة ذئاب الليل الشرسة، وإن ظهرت في النهار حملانا يشفق عليها ذوو الرحمة والقلوب الرقيقة.