السلام هو غياب الصراعات والازمات التي تولدها الأضغان والاختلافات. هو التعايش بانسجام ووئام وفق قواعد العيش المشترك. وأرى في السلام ايضا عودة الانسان الى انسانيته وطبيعته، بعيدا عن الموروثات العقيمة والبطولات الفارغة التي تجلب الويلات وتؤدي الى تحويل الحياة المنسجمة الى غابة من التناحر تفتقد فيها العدالة، وتتحقق الانتصارات الوهمية المبنية على غلبة الشديد القوي. في 21 من أيلول/ سبتمبر من كل عام تذكر الجمعية العامة للأمم المتحدة بأهمية السلام من خلال إطلاق شعار "اليوم الوطني للسلام" غايته تعزيز وترسيخ قيم السلام ونبذ الكراهية والعدائية بين الشعوب والأمم، وليكن يوما للتسامح الخالي من العنف، ومناسبة للشراكة من أجل السلام، وحفظ الكرامة للجميع.
اليوم الوطني للسلام، صرخة عقلانية ودعوة راجحة، تخاطب العقول الإنسانية فقط، من أجل العمل على نبذ الحروب وايقاف المناكفات وتبديد الخلافات، ومد جسور التفاهم وبسط لغة الحوار التي أنعم الخالق بها على بني آدم حصرا. إن من حق الشعوب أن تنعم بالسلم والاستمتاع بكامل حقوقها، وأن تبني حضاراتها بعيدا عن العنف والقتل والدمار ولغة التهديد والوعيد، وفق أنظمة ديمقراطية يكون الصوت الأرجح لها، وليس لزعاماتها الطارئة التي تسلقت للوصول الى سدة القرار.
لقد جاء شعار هذا العام دعوة “لنعمل معا لضمان الاحترام والسلامة والكرامة للجميع". ولابد لنا أن نتصدى لهذا الشعار ونردده من أجل تحقيقه، بادئين بأنفسنا، مخاطبين من منبرنا كل العقلاء والحكماء، وقادة الرأي العام، وجميعكم: نستحلفكم ببيارق الشهادة التي رفرفت من زاخو الى الفاو، وبحق أنهر الدماء التي جرت سيولا على ارض العراق، وبحق الامهات والاخوات والحبيبات اللاتي صودرت من صدورهن لحظة اللقاء، وبحق الثكالى والارامل اللاتي أودع الحزن في مقلهن، وبحق اليتامى والمتشردين من الاطفال الذين سلبت براءتهم في متاهات الجوع والتسكع، ان توقفوا جريان الدم العراقي المجاني، وان توقفوا العبث بحق الانسان في العيش بسلام، وأن تطفئوا فتيل الخلاف، فإنكم انما توقدون نارا للحرب، سيطفئها الله بحكمة من رشد عقله وغلبت انسانيته الأحقاد والجاهلية الموروثة.
لنقتدي بنيلسون مانديلا القائل من تجربته "بينما كنا نراقب أعين الذين يقمعون ويعذبون نشعر بالآلام الناتجة عن وحشيتهم، أدركنا تماما انه لا يمكننا انهاء ذلك الكابوس بالاستسلام للكراهية ولروح الانتقام.. أدركنا أننا إذا أذعنّا لهذه الغرائز البدائية، فسنتحول إلى ممارسي قمع وأدوات لتدمير شعوبنا.. لقد ثبت لنا ان حياة وطننا تتطلب منا أن نستمر في المحبة الحقيقية، وفي احترام شعبنا وكل شعوب العالم".
هي دعوة الى التعايش بسلام ومحبة حقيقية، هي دعوة الى الانصات الى لغة الحوار، الى تغليب المصلحة العامة على الخاصة، الى بث روح التناغم والانسجام وتقبل المختلف.
هي دعوة لإراحة الضمير وسلب زوابع القلق من تفكير شعب لم يرقد قط على وسادة الليل بسلام.