الديمقراطية بمفهومها العام، هي شكل من أشكال الحكم الذي يشارك فيه جميع المواطنين على قدم المساواة، من خلال ممثلين عنهم ضمن نظام اجتماعي يسير عليه المجتمع ضمن ثقافة سياسية وأخلاقية.
الديمقراطية لا تعني الوصول الى سدة الحكم، واغتنام الفرصة لفرض سياسات ضيقة تؤدي الى شرخ في البناء المجتمعي، وتأسيس عنصرية مقيتة تفرق بين أبناء الوطن.
وبما أنها تضمن الحريات، فلا يعني ذلك امتداد تلك الحريات الممنوحة كالأخطبوط للالتفاف على الحريات الأخرى وخنقها.
ففي استراليا استغلت الديمقراطية لظهور تيار عنصري تقوده عضوة الشيوخ المثيرة للجدل بولين هانسون، من خلال حزبها التي تتزعمه تحت اسم "أمة واحدة".
ورغم أن اسم حزبها يشير الى الوحدة، إلا أنها وبرأي المراقبين أدت الى شرخ كبير في المجتمع الأسترالي، من خلال التمييز بين ما تطالب به، أن يكون المجتمع الأسترالي مبنيا من مكون واحد هو " انكلو ساكسون" أي الشعب الأشقر المتحدث اللغة الإنجليزية، ناسية أن أمة أستراليا الأصلية هي من شعب الابروجنيز الذين سلبت حقوقهم بالقوة والاحتلال.
فهل سترمي بولين هانسن سكان أستراليا الأصليين السمر في قاع البحر؟ وهل ستقوم بطرد أصحاب البشرة التي تخالف لون بشرة حزبها الى حيث ما جاءوا؟
هل ستطرد السيدة الآسيوية التي اشترت محل بولين لبيع الأسماك والبطاطا المقلية؟ أم انها ستطرد مدرستها ذات الأصول الشرق أوسطية عندما تركت الدراسة وهي في الصف الثالث متوسط!.
أسئلة كثيرة لا أعتقد أنها قادرة على الإجابة عليها. هذه الديمقراطية التي أوصلت هذه السيدة لتعيث بالأرض فسادا فكريا، كما عاث بعض السياسيين في العراق الديمقراطي الممتد على مدى 14 سنة، من سوء إدارة وسلب حقوق وفساد اداري وقانوني، بل تعداه الى انتشار عصابات سائبة، تمارس في وضح النهار عمليات الخطف والاغتيال وسلب الحريات، تاركين ما بني آيلا للسقوط غير مبالين، بينما يزداد الشرخ في البناء المجتمعي وهم يؤسسون الى تغيير الواقع الديمغرافي الى واقع تفرضه أجندات تحت خيمة الديمقراطية.
فهل أصبحت الديمقراطية مفهوما لتمزيق المجتمعات وتهميش الأقليات وحرمان الحريات؟