إن فساد الماء تسببه عدم الحركة والركود اللذين يحولان عذوبته الى كدرة، على خلاف الفساد الإداري والسياسي الذي يحتاج الى حركة مستمرة ومراوغات هنا ومحسوبيات هناك.
فالماء يعذب بحركته وجريانه، ويفسد السياسي في بهلوانيات الحركة المستمرة المبنية على الرشوة، والمحاباة، والابتزاز، والوساطات، والتهديدات.
لقد عرفت (منظمة الشفافية الدولية) الفساد بـ: "كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو جماعته". وهو سلوك سلبي لا يعتمد على الركود، بل على الحركة وسيادة القيم البالية التي تربطها القرابة والانتساب الى جهة ما، توفر الحماية للفاسد فيبالغ بفعلته بلامبالاة.
إن هزالة القضاء وعدم استقلاليته أدت به الى الركود وغياب الحركة، ما كانت سبباً فعالا في تفشي ظاهرة الفساد، التي اعتمد الفاسدون فيها على قاعدة المنصب كـ "استكان" الشاي الذي لا يُحلى إلا بحركة ملعقة السرقة والنهب التي تذوّب السكر، فيكون عسل الفساد لا تجرع حلاوته.
كل هذا مرتبط بضعف القيادة في مكافحة الفساد ومحاسبة المفسدين، وعدم وجود الإجراءات العقابية الواقعية، حتى ضاع أبتر السرقة بين بتران الفساد.
فأي أبتر ستبدأ به تلك التلويحات الجديدة في المحاسبة؟ أهو الصغير الذي يمارس فساده أفقيا منتفعا من الرشاوى اليومية، أم الأبتر الذي ابتلع ميزانيات كاملة كما تبتلع الأرض الماء!
لقد خلخل الفساد مجموعة القيم الأخلاقية، وأدى بالشعب الى الإحباط وبروز العنصرية والتعصب، إضافة الى انتشار الجريمة كرد فعل لعدم تكافؤ الفرص وفقدانها، والتي بدورها أدت الى التشنج والحسرة على ضياع ممتلكات وموارد الدولة، بدلا من استثمارها في البنى التحتية التي تهم عموم المواطنين.
إن اعتراف العبادي بـ "أن الفساد في العراق تحول إلى مافيا، وأنه يحتاج إلى تعاون الجميع لمحاربته، ومن يقف وراءه من فاسدين". مضيفا أن الفاسدين "موجودون في كل مفاصل الدولة"، هو دليل قاطع على أن الصراعات الكبيرة الموجودة في الساحة هي بسبب تعارض المصالح بين المافيات.
هذه الحقيقة الصريحة والشجاعة، ستؤدي بنا الى الدخول في مرحلة حرب جديدة، وصفها العبادي بـ "معركة مع الفساد".
سيقف العراق كله حشودا في هذه المعركة، فهل سننتصر فيها كما انتصرنا على الإرهاب؟