مرت علينا قبل أيام قليلة ذكرى الإبادة الجماعية للأرمن، والتي يطلق عليها الجريمة الكبرى أو الكارثة، والتي منها اشتق القانون الدولي مصطلح "الإبادة الجماعية" لتشرع منظمة الأمم المتحدة على ضوئه عقوبات صارمة ضد مرتكبيها، وتدعو من خلاله الى ضرورة حماية الجماعات، من خلال موافقة المنظمة في العام 1948 على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية.
نقف بين هذه السطور بصمت لما جرى بين عامي 1915-1916، عندما وقفت الإنسانية عاجزة عن رفع أقل مستوى من الرحمة، في القلوب التي نفذت كارثة فظيعة، قتل فيها العثمانيون المئات من الأرمن، في عمليات إطلاق نار جماعية، وتعليق على الأعمدة، تلتها عملية ترحيل واسعة، وعزل عشرات الآلاف من أطفالهم قسرًا عن عوائلهم، وتغيير دينهم، وضمهم الى امبراطورية الرجل الضعيف.
ومهما تكن الأسباب والدوافع التي يشير اليها المؤرخون في ارتكاب هذه المجزرة الوحشية، فإن الجانب الإنساني يقف عاجزا، عن استيعاب مدى الوحشية في قتل النساء العزل والتمثيل بأجسادهن، علاوة على اغتصابهن وتعذيبهن وصلبهن على الأعمدة الخشبية في وضح النهار.
وتستمر هذه المجازر في العراق وسوريا واليمن، وأعين العالم بأوسع جماليتها لا تبصر، غاضة نظرها عما يحدث، فمثل هذه الجريمة تكررت وتتكرر كل يوم أمام مرأى الأمم المتحدة، كما قتل النظام الفاشي الصدامي الكرد في قراهم، بأسلحته الكيمياوية في حلبجة بعمليات الانفال.
أما الجريمة الأكبر، فهي قتل المنتفضين العراقيين عام 1991 ودفن المئات منهم أحياء في مقابر جماعية، لم يشهد العالم لوحشيتها ولقساوة تنفذها نظير.
فما الذي قامت به منظمة الأمم المتحدة؟
وما الذي نفذته ضمن قوانينها لردع جرائم الإبادة الجماعية؟ سوى تنفيذ إبادات جماعية أخرى، من خلال فرض عقوبات اقتصادية أضرت بالشعوب، وازدهرت من خلالها حياة منفذيها.
واستمر "الردع" بتسليم مقدرات الوطن الى ثلة من اللصوص وقاطعي الطرق، ينفذون في وضح النهار جرائم بحق الوطن، تصل الى مستوى الإبادة الجماعية، بل تزيد.
وفي الوقت الذي نحيا الذكرى الثالثة بعد المئة، لجرائم الإبادة الجماعية بحق الأرمن، ونترحم على الأرواح التي غادرت أعشاشها نحو أغصان الحياة الأبدية، تتفجر فضائح المرشحين للانتخابات، يحاول صداها أن يغطي كل خبر وذكرى، محولا الانتخابات الى مرحلة مختلفة يطلق عليها "الانفضاحات النيابية" تتجه بدفة البلاد نحو مستقبل، ربما يزيد على ما يطلق عليه "الإبادة الجماعية".