ما بين انتخابات وانتخابات تمر أربعة أعوام، وفي كل أربع سنوات تمضي، يسجل فيها الوطن حقبة مريرة، فالأربعة الأولى سجلت تأريخا اشتد فيه لهيب أزمة طائفية أحرقت النسل والزرع، وتشتت أبناء الوطن الواحد، هائمين على وجوههم في الصحارى والوديان وعلى قمم الجبال، وكان أوفرهم حظا من حزم حقائب الوداع مليئة بدموع الحزن، حاملا همومه خارج الحدود.
ثم مرت أربع سنوات أخرى، فتحت الأبواب مشرعة أمام الإرهاب، بخطة سياسية فاشلة أريد بها تقليد سياسة الرئاسة الامريكية، وأفلام هوليوودها، كي يفلح منفذها بالفوز بالانتخابات رغم ما تكبده الشعب من اضطهاد وخسائر بشرية ومادية.
وجاءت أربع أخرى عجاف، اتكأ فيها الوطن على عكازة العوز وإصرار الانتصار، وفي كل أربعة تسيل دماء وترحل نوارس من ضفاف النهرين، فأي أربع سنوات قادمة يخبئها لنا القدر؟
هل من يفتينا بها؟ هل ستكون "أربْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ أربعٌ عِجَافٌ وَأربع سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ"؟
إن المرحلة القادمة تتطلب استقرارا فكريا ورجاحة عقل، لنعود الى الوجود وتعود لنا الهوية الوطنية. إننا بأمس الحاجة الى معالجة ما خلفته السنوات الأربع المتكررات، بصورة رصينة وواقعية تلبي الحاجة الوطنية ضمن مرتكزات الواقع الاقتصادي.
لن نحتاج الى خلط المفاهيم، ولا التداخل في الرؤى التي تزيد المستقبل غموضا، بل نحتاج الى الخبرة في إدارة الدولة، وطرائق رسم سياساتها العامة والاقتصادية منها، بعيدا عن منهجية التجربة الفاقدة للخبرة، والتي تثير الالتباس وتبتعد عن حقيقة الحاجة الفعلية لخطط تنهض بالوطن والمواطن، من بؤر العوز الى الرفاهية المرجوة.
اجمعوا الوطن أيها الفائزون بمقاعد البرلمان، ولا تعتمدوا على دلالاتكم العددية التي تؤدي الى الفرقة والانفصال، فنحن شعب واحد يأبى الذل، ويستعين بمعانيه الفكرية والاعتقادية، فوق تراب واحد ممتد من الجبل الى مصب النهر، لم يعرف التناقض ولا الخلاف الذي يفضي الى التفرقة.