وهكذا تمضي 13 سنة على إنهاء العراق حقبة الدكتاتورية دون ان يلتفت احد الى مأساة الكورد الفيليين، وهذا الإجحاف والتهميش ساهمت به فرقتهم وتشتتهم، فقد صاروا كتلا وجماعات داخل الأحزاب الإسلامية والعلمانية، وتباروا في الإخلاص لتلك الأحزاب التي تناست قضيتهم إلا في الخطابات السياسية والمناسبات الوطنية، تلك الأحزاب التي صيرتهم حطبا ووقودا للوصول إلى السلطة، وبقيت مأساتهم وقضيتهم دون أن تأخذ ولو حدها الأدنى في الاهتمام والتقدير.
ما لحق الكورد الفيليين لم يسجله التاريخ العراقي القديم والحديث، فقد تعرض الفيليين في العراق مالم تتعرض له أية شريحة على مر التاريخ، فحين تم تسفير اليهود العراقيين وسلب ممتلكاتهم الشخصية وتعرضهم للفرهود، جنحت الحكومة العراقية الى حجز أموالهم المنقولة وغير المنقولة ضمن دائرة رسمية بأسم (دائرة الأموال المجمدة)، ويفترض أن تقوم الدائرة المذكورة بإدارة ممتلكاتهم وعقاراتهم وحقوقهم وفق القانون، إلا أن الفيليين وهم من أهل العراق الأصلاء، تعرضوا ليس فقط إلى ابتزاز ونذالة الحكومة العراقية في حينها، بل مورست بحقهم أنواع من الضيم والظلم الإنساني لم يحرك ضمير الإنسانية في الأمم المتحدة وحقوق الإنسان، ولا هزت شعرة من ضمير الحكومات المتجاورة للعراق.
بقيت جروح الفيليين نازفة إلى اليوم ، وزاد من عمق هذه الجراح غياب أولادهم ضمن التجارب الكيمياوية التي مارسها نظام صدام عليهم، وحجز الالاف منهم، ومن ثم دفنهم وهم احياء في مقابر مجهولة حتى اليوم ولم تكلف الحكومات المتعاقبة نفسها لمعرفة اماكن دفنهم، ولا اهتمت سلطات التحقيق بحل هذا اللغز، الذي لم يزل حتى اليوم يزيد من مرارة الظلم والحيف الذي لحقهم، وهم الذين تعرضوا لسلب اموالهم وعقاراتهم بشكل همجي وغير قانوني وبعيد عن أدنى أساليب الإنسانية، وهم الذين تم تجريدهم من مستنداتهم الرسمية ومن ممتلكاتهم الشخصية، وتم رميهم على الحدود في حين بقي أولادهم وقلوبهم معلقة في العراق. ونعتقد أن أي ضمير منصف يدرك ان المحنة التي تعرض لها الفيليين من قبل أقذر وأشرس جهاز في العراق، وهو جهاز الأمن العام الذي اشتهر بعناصره الدنيئة وانذالة الموغلين في إحداث الألم والقسوة في نفوس وكرامة وأجساد العراقيين، والمشهور بأساليب التعذيب النفسي والجسدي التي تخرج عن حدود العقل والمنطق، فقد مورست بحقهم شتى أنواع الممارسات الدنيئة والإجرامية دون روادع إنسانية أو حدود أخلاقية.
تمكنت الكتل والأحزاب السياسية أن تضعف من موقف ووحدة الكورد الفيليين، وان تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تشتيت دفاعهم عن حقوقهم، وأنسحب هذا التشتيت والتسويف الى جميع الحكومات ومجالس النواب التي تعاقبت على حكم العراق طيلة هذه الفترة الفائتة، وبقي صوت الفيليين يبحث عن الحقوق الإنسانية التي ضيعها النظام الصدامي البائد، والتي أشاح النظام الجديد بوجهه عنها، فلم تكن هناك الا البيانات والخطابات التي لم تشبع أرواح الباحثين عن أولادهم، ولم تهدأ أرواح الثاكلات بفقدان فلذاتهم، ولم تساهم في إيجاد حلول مقبولة لمصير هؤلاء، ولا سنت مجالس النواب قانونا يعيد الحقوق إلى نصابها، ولاتم تخصيص دائرة حكومية تضم وثائق وممتلكات ومستندات الفيليين.
وبقيت قضية الكورد الفيليين ورقة رابحة تلعب بها الأحزاب الدينية والقومية، فصيرتهم الوقود الذي تستمد منه ديمومتها، والأصوات التي تستند عليها في الوصول إلى كراسي السلطة، ودفعتهم دفعا إلى تشكيل مكاتب وتجمعات وجمعيات ومنظمات تتقاطع وتتباعد غير أن قضيتهم الأساسية واحدة، ودافعهم واحد أيضا إلا أن تقييد الالتزامات السياسية والقومية والطائفية مايقيد وقوفهم جميعا في صف واحد، وما يقيد تشكيلهم كتلة سياسية قائمة بحد ذاتها.