أقدم قبل فترة وزير الإسكان المنغولي على إشعال النار بجسده برش قنينة من البانزين ومن ثم الموت حرقا، بالنظر لاتهامه بالفساد، وبالرغم من أن الاتهام لا يشكل إدانة للإنسان مالم يقترن بدلائل وقرائن وأسانيد.
ومن ثم قرار من محكمة معتبرة وعادلة يؤكد ارتكاب فعل الفساد، إلا أن مجرد تلويث الكرامة بالفساد يشكل علامة كبيرة ومؤشر يحط من قيمة وحياة الناس ممن تشعر ان كرامتها فوق المناصب والكراسي، ومن الغريب أن يتضح أن الوزير المنغولي لم يكن فاسدا ولا مرتشيا، ولم يعقد صفقات مشبوهة مع جهات على حساب بلاده وشعبه، ولا خان الأمانة التي يحمل وزرها، إنما لم يستطع الوفاء بوعده في توفير مساكن للفقراء، أي انه فشل في مهمته فأقدم على إنهاء حياته.
وقبل ذاك عرضت لنا صور التواصل الاجتماعي انتحار وزير المالية الأمريكي روبرت ديور خلال مؤتمر صحفي وإطلاقه رصاصة من مسدسه في فمه قتلته في الحال بسبب اتهامه بالفساد، كما انتحر وزير المال الياباني وعلى اثر فضيحة إقامة علاقة إنسانية خارج إطار الزواج، أقدم وزير الخدمات المالية الياباني بشنق نفسه في منزله تاركا رسائل الاعتذار.
كما أقدم وزير الزراعة الياباني توشيكاتسو ماتسوكا على الانتحار شنقا قبل ساعات من مثوله أمام جلسة المساءلة التي كان من المتوقع ان يعقدها البرلمان الياباني، بسبب فضيحة تتعلق بتبرعات سياسية وعقود مزورة،.
وعثر على الوزير فاقدا الوعي في مقر لأعضاء البرلمان ونقل إلى المستشفى حيث لفظ أنفاسه،.
وذكرت تقارير صحافية ان الوزير، 62 عاما، شنق نفسه باستخدام حبل تم ربطه بباب غرفة الجلوس.
الكرامة من صفات الإنسان التي يعتز ويتمسك بها ان الله منح الإنسان الكرامة بالتفضيل على كثير من المخلوقات، والكرامة لصيقة بالحياة الإنسانية، فأن تخلى الإنسان عن الكرامة، يصبح كائنا ليس له قيمة إنسانية.
التظاهرات الطلابية التي تعم العراق اليوم، تطالب بمحاسبة الفاسدين، وعزل الفاشلين، وتنادي بتنحي من اثبت انه غير مؤهل على تسلم المسؤولية، وتصل أصوات تلك التظاهرات الى إسماع الوزراء والمسؤولين، ولأن الأحاسيس الإنسانية غافية عند هؤلاء، ولان الكرامة غائبة عن مشاعرهم، فإنهم يمرروا تلك الصرخات عبر أذانهم مرور الكرام، لا تخدش كرامتهم، ولا تجعلهم في صحوة ولو مؤقتة ليشعروا فيها بالخجل والندم.
وحين يصل الأمر الى أن يتم رمي الوزير بالحجارة وبالأحذية، لا يقوم الوزير المعني سوى الاستعجال بركوب سيارته تحت حماية لا تقيه من الفشل والفساد الغارق فيهما، ممررا كل الإهانات في ظل ابتسامة صفراء ميتة، تعني بأن المنصب والكرسي أهم من كرامة الإنسان في مفهومه القاصر.
الكرامة تعني احترام الإنسان لذاته وشعوره بالشرف والسمو، وحين تطغي المناصب على هذه المشاعر، فان الإنسان يكون خاويا وفارغا ومصابا بعمى الألوان لا يميز الشرف من السقوط ولا الفاسد من الخير، ولا الإهانة من الاعتراض، ومادامت الكرامة تولد مع الإنسان لذاته، فإنها لصيق حياته، فمن شعر بأنها انفصلت عنه عليه إعادة تقييم ذاته، وتلك ليست قطعا من صفات العديد ممن يتسلمون المسؤوليات اليوم في العراق، ماداموا يستمتعون بالتدحرج اليومي باتجاه الفشل الذريع، وماداموا لا يهتمون بالفساد المستشري في مفاصل الدولة وهم يساهمون به، وماداموا يتمسكون بالكراسي بأي ثمن، وماداموا لا يهتمون بما سيصير إليه حال العراق، وماداموا يخفون بالاتفاق المباشر أو غير المباشر سرقات وفساد بعضهم البعض، ويتسترون على فضائح بعضهم الآخر، وماداموا يتمسكون بهذه المناصب بأي ثمن ومهما كانت النتائج، فلا وزير لدينا يحرق نفسه، ولامسؤول لدينا يشعر بإهدار كرامته، ولا أحذية تهز شعرة من رأسه، ولا مطالبات شعبيه تشعره بفشله، ولا اتهام يسيء الى سمعته او سيرته!!!!
ضمن الدستور العراقي حرية الإنسان وكرامته ضمن باب الحريات، غير أن هذا الضمان منوط باحترام الإنسان لذاته، وتحت عنوان الكرامة تمر جميع القوانين التي تحمي الحقوق والحريات، وبما أن الكرامة الإنسانية تتعلق بأحاسيس الإنسان ومشاعره التي تنمو معه منذ الصغر، والخشية كل الخشية من إنسان فاقد للكرامة ويتمسك بالمناصب، حيث سيكون فاشلا وفاسدا وخاويا.