تنص المادة الخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن لايتم تعريض اي إنسان للتعذيب او للعقوبات القاسية او الوحشية او الحاطة بالكرامة .
هذه القاعدة الأساسية التي يبني عليها ألإعلان العالمي مبادئه لم تأت بالصدفة فالصياغة تأتي لتثبيت حق من الحقوق ألإنسان واعتباره دعامة في العمل ألإنساني، ونابعة من الأيمان باحترام الكرامة والحياة الإنسانية، واعتمادها ضمن قيام نظام دولي قانوني يحترم الإنسان ويضمن حقوقه، هذه القاعدة حلت بعد معاناة إنسانية طويلة، وبعد تجربة زمنية طويلة، سحقت فيها الحياة والكرامة البشرية، وتعرض فيها ألإنسان لعقوبات مادية أو معنوية تلغي قيمته الإنسانية، وتهدد حياته واستقراره.
وتأتي اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة ضمن القرار المرقم 39/46 والمؤرخ في 10 كانون الأول 1984 تتويجا للالتزام بهذا الحق.
وتأتي الفقرة ( ج / أولا ) من المادة 37 من الدستور العراقي انسجاما وتطابقا مع تلك النصوص ونصت الفقرة الدستورية على تحريم جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية، ولا عبرة بأي اعتراف انتزع بالإكراه او التهديد او التعذيب، وللمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي أصابه وفقا للقانون.
في الوقت الذي نثمن فيه كل القوى الخيرة في محاربتها الإرهاب وتجفيف منابعه وأصوله، وندعو ونحث للقضاء على هذه الظاهرة المتناقضة والمتعارضة مع حقوق الإنسان، فأن الإدانة الشديدة واجبة للأساليب غير القانونية التي تتبعها السلطات المختصة بالتحقيق أوالقوات المسلحة والشرطة في تعذيب المعتقلين من العراقيين بتهمة مساندة الإرهاب أوالتعاون معه ، حيث ان مجرد وقوع الأساليب غير القانونية وممارسة التعذيب الجسدي أو النفسي على المتهم يشكل جريمة جنائية.
والمتهم بريء حتى يتم أماطة التحقيق الحقائق الدامغة التي تبيح للسلطة التحقيقية أحالته على القضاء لمحاكمته وفق النصوص القانونية النافذة و المعمول بها.
وحيث إننا نسعى الى دولة يحكمها القانون، فأن الأمر يستوجب التشدد بتطبيق نصوص قانون أصول المحاكمات الجزائية المرقم 23 لسنة 71 المعدل فيما يخص استجواب المتهم، وعليه فلا يجوز استعمال اية وسيلة غير مشروعة للتأثير على المتهم للحصول على إقراره، والوسائل غير المشروعة عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر تهديد المتهم بالإيذاء وإساءة المعاملة معه وابتزازه بوسائل عدة واستعمال التأثيرات النفسية للضغط على المتهم وإجباره على تناول العقاقير
والمسكنات والمسكرات واستعمال المخدرات معه. بالإضافة الى استعمال الأسلوب المتخلف في التحقيق بالاعتداء جسدياً على المتهم من قبل المحقق.
وفي حال مثل حال العراق يتعرض الى هجمة إرهابية شرسة وخطيرة تتعاون فيها جهات عديدة تتناقض فكريا وسلوكيا، يوحدها السلوك ألأجرامي الذي تعتمده كوسيلة من وسائل فهمها في التغيير والاختلاف والتعارض، وفي حال مثل حال العراق يستهدف فيه الشعب العراقي بكل أطيافه وقومياته وأديانة إلى مواجهة قتلة ومجرمين ومافيات وعصابات تتخذ من أسماء وواجهات يافطات وهمية للعمل تتستر بها لقتل وأبادة العراقيين، يقينا من خلال تلك المواجهة المتسمة بالعنف يتم اعتقال العديد من الأبرياء العراقيين مما يستلزم الأمر أن يتم التحقيق معهم بالسرعة الممكنة التي لا تجعل اتهامهم عقوبة، وأن لا تجعل مدد توقيفهم طويلة بشكل يدعو للأسف والحزن.
كما أن لجوء المحقق والمشرفين على المعتقلات والسجون الى أساليب لا تخلو من التعذيب الجسدي والنفسي والحط من الكرامة البشرية أمراً يستدعي الإدانة وانزال العقوبة الرادعة بمرتكب هذه الفعال المخالفة لكل القوانين البشرية.
أن اللجوء الى التعذيب دليل فشل المحقق وعدم قدرته على السيطرة وقيادة المهمة التحقيقية، وهي من المهمات القانونية التي نظمها قانون اصول المحاكمات الجزائية، ورسم لها القانون طريقاً دقيقاً لايمكن مخالفته لأي سبب وبأي حال من الأحوال.
وقد نصت المواد العقابية 233- 333 على معاقبة من يقم باستعمال القسوة او تعذيب المتهم او إعطاء الأوامر بذلك سواء استعمل القوة او قام بالتهديد.
كما لا يجبر المتهم على الإجابة على الأسئلة التي توجه إليه، فأن هذا المتهم تكون جميع أقواله المأخوذة تحت التعذيب والقسر والإكراه غير قانونية إذا ما ثبت ذلك، وبالتالي لا قيمة لها أمام المحكمة المختصة.
بالإضافة الى عدم قبول التبريرات والذرائع التي تحاول تقديم أعذار بسبب تلك الانتهاكات والتعذيب.
وإزاء تصاعد وتائر التعذيب الإنساني الذي يتعرض له العديد من البشر، مما يجعل هذه الظاهرة المرضية التي تتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومع القانون الإنساني الدولي، بالنظر للضرر الجسيم والفادح الذي يلحق بالبشرية وبكرامة الإنسان من جراء التعذيب. هذا مما دفع بمنظمة العفو الدولية أن تعلن أنها تعتزم تكثيف جهودها للتصدي للتعذيب والتصرفات الأخرى القاسية وغير الإنسانية.
وذلك من خلال إطلاق حملة ضد التعذيب والمعاملة السيئة التي يتعرض المعتقلون في إطار الحرب ضد الإرهاب. وأطلقت المنظمة ذلك عشية اليوم العالمي لدعم ضحايا التعذيب الذي يتم تخليده في 26 من يونيو(حزيران).
أن هذه الحملة تجسد الصوت الإنساني المطالب بوقف التعذيب والانتهاك والامتهان للكرامة الجاري
تحت شتى الظروف والأسباب، كما تدعو الحملة الدولية الحكومات كافة العمل على التصدي للانتهاكات المريرة ومعاقبة مرتكبي جرائم التعذيب الإنساني.
وفي هذا الصدد تقول السيدة دنيس سيرل مديرة الحملات في منظمة العفو الدولية إن التعذيب هو أدنى مستويات الفساد الذي تشهده الإنسانية.
وأضافت أن محاولات تبرير أعمال التعذيب وإساءة معاملة المعتقلين خلال الحرب ضد الإرهاب تهدد الحظر العالمي ضد التعذيب وسوء المعاملة.
ودعت منظمة العفو الدولية جميع الحكومات والجماعات المختلفة عبر العالم إلى استغلال هذا اليوم لوضع حد للتعذيب وإساءة معاملة المعتقلين.
كما دعت الولايات المتحدة إلى تزعم هذه الجهود من خلال إجراء تحقيق كامل ومستقل لما يجري في معتقل غوانتنامو وممارسات سياستها الخاصة بالتحقيق مع المعتقلين عبر العالم.
ولهذا فإن الدعوة لمحاكمة مرتكبي جرائم التعذيب والانتهاكات البشرية لحقوق الإنسان تبقى قائمة وملحة من اجل عدم تكرارها في مناطق أخرى، ومطالبة منظمة العفو الدولية وهي تدين التعذيب والانتهاكات المريرة للبشرية، فإنها بنفس الوقت تدعو للاقتصاص من المتهمين بالطرق القانونية السليمة وبالأساليب القانونية المنصوص عليها في التشريعات النافذة دون ان أعتبار أو حدود أو صفة للمتهمين بهذه الانتهاكات.