بالرغم من التواجد الفعلي للايزيديين في مناطق متعددة من كوردستان العراق، وكونهم متفاعلين مع أبناء هذا الوطن عربا وكوردا وتركمان وبقية المكونات الجميلة، ومع كل ما كتبه التاريخ المزور والمشوه عنهم.
ومع كل تلك التضحيات التي قدمها المجتمع الايزيدي ويتشرف بها التاريخ العراقي والكوردستاني، إلا أنهم بقوا أسرى تلك الصفحات التي شوهت علاقتهم بألاخر، وزاد الأمر تعقيدا سكوتهم حتى على الحكومات العراقية منذ قيام الحكم الوطني حتى اليوم، فلم تكن لهم حقوق المواطنة الحقيقية، ولم تكن الحكومات المتعاقبة تعترف بهم كديانة قائمة يؤمن بها نصف مليون إنسان على اقل تقدير في العراق، ولم تنصفهم أو تشير لهم جميع الدساتير التي صدرت، ولم تظهر أية ردة فعل حتى ضد التخرصات والأكاذيب والتزوير الذي مارسه بعض الكتاب والمتعلمين وضعاف النفوس ضد حقيقتهم وديانتهم.
وإزاء هذا الحال واستمرار محنة الايزيديين وتهميش مناطق سكناهم من قبل السلطات التي تعاقبت والتي كانت تنظر لهم على الدوام نظرة دونية، سيطرت هذه النظرة على عموم المجتمع العراقي، وتعدته إلى رجال الديانات الأخرى من المسلمين بكل مذاهبهم، ومن المسيحيين وحتى من المندائيين وان كانوا لا يقلون عنهم تهميشا وظلما. اليوم تمر على الايزيدية اكبر محنة في تاريخهم القديم والحديث، وحيث أن كل المحن والمجازر التي طالتهم سابقا كانت تتعرض إلى حياتهم وحلالهم أو مقدساتهم، إلا أن محنتهم اليوم تكمن في تعرض بناتهم إلى السبي والاختطاف القسري والامتهان الإنساني، وتعرضت حياتهم للموت بأشكاله البشعة، وممتلكاتهم للنهب والسلب، وصودرت أراضيهم ومحاصيلهم ومواشيهم، ودفعهم الحال إلى الهجرة واللجوء سواء إلى مدن قريبة منهم يعيشون فيها في مخيمات لاتقيهم برد الشتاء ولاحر الصيف، ولايمكن أن يستمر العيش فيها بكرامة أو أمل، منقطعين عن أعمالهم وموارد رزقهم، أو اللجوء إلى دول أوربا عبر مسالك وبحار وطرق خطيرة للغاية وتعرض سالكيها لمخاطر الموت وهو ما حصل لأعداد ليست قليلة منهم.
وبالرغم من إن الدستور العراقي الصادر عام 2005 تعرض إلى ذكرهم باستحياء، فان النظرة الخاطئة والمشوهة عنهم لدى المجتمع العراقي هي الغالبة مع وجود انفتاح ووعي ثقافي لا يستهان به داخل أو خارج العراق في الفترة الأخيرة من قبل بعض العقول الواعية والمتفتحة.
ضمن هذه الظروف كان لموقف وتفهم بعض من القيادات الدينية لحقيقة الديانة الايزيدية، ومعرفة قيمهم ومقدساتهم وأعرافهم ، وحقيقة إيمانهم بالله الواحد الأحد، الأثر الأكبر في خلق فسحة من الأمل في التقارب والتحاور، والعمل على مسح كل ما تعلق بهم من تخرصات لا اثر لها في الحياة ولا صحة لها في ممارستهم طقوسهم الدينية وأعرافهم الدينية والاجتماعية.
المطلوب اليوم والايزيدية تتعرض إلى أبشع صفحة يسجلها التاريخ العراقي عنهم، ومع زيادة هجرة الشباب وفرار العوائل من بيوتها وأماكن سكناها بحثا عن الأمان والسلام والاستقرار والكرامة، وما تبقى منهم يطرح مشكلة إمكانية استمرار الحياة مع جيرانهم بأمان في مناطقهم.
نجد أن الحوار بين كل الديانات المتعايشة في العراق ضروري وواجب، كما أن التقرب من الايزيدية ومعرفة القواسم الإنسانية المشتركة بينها وبين جميع الديانات، يمهد الطريق للتنوير الديني والاجتماعي، ويساهم في رفع الغشاوة عن أعين البعض ممن التبس عليهم التقييم والموقف والحقيقة، وممن انطلت عليهم أكاذيب المغرضين ومرضى النفوس، وقد يساهم في مداواة بعض من جراح الايزيديين التي باتت عميقة أكثر من سابقها.
وحتى نبدأ بصفحة جديدة من الحياة العراقية المشتركة ينبغي علينا أن نبني علاقاتنا بالثقة المتبادلة والاحترام وقبول الأخر، وان نجد الأرضية والقواسم المشتركة التي تجمعنا، ونسعى لإظهار جميع التوافقات التي تشترك فيها كل الديانات الإنسانية.
وان تكون المحبة والسلام الغطاء الذي يغطي مساحة الحوار ونسعى جميعا لصيانته وحمايته. أن بث الوعي في المجتمع لتغيير نظرته الدونية والسلبية تجاه أهل الديانات العراقية الأخرى واقع تعيشه الأغلبية والأكثرية من أبناء العراق، والصفحة الجديدة من الحياة العراقية تدعونا بالإضافة إلى تأسيس ثقافة قبول الأخر واحترامه إلى المزيد من التمسك بقيم السلام والمحبة والدعوة للخير، وهذه لايمكن توفيرها معالم تتوفر النية الصادقة والعزم على الشروع بكتابة هذه الصفحة.
الايزيديين أكثر من غيرهم بحاجة لهذا التقارب والحوار، للظروف السلبية التي مرت عليهم، وللفرمانات التي طحنتهم ومزقت وجودهم، وبالتالي عزلتهم عن المجتمع، وقتلتهم دون وجه حق، وحيث أن جميع الديانات تدعو للإصلاح والخير والمحبة والتسامح والسلام، لذا فأنها تشترك جميعا في ظل الأيمان والتوحيد بقيم مشتركة تصلح لأن تكون القاعدة التي يمكن تأسيس مبدأ الحوار والتقارب بين جميع أهل الديانات في العراق، وان تكون الحقوق والحريات متساوية بين العراقيين بغض النظر عن الدين والقومية والأصل والجنس، وحتى تكون صفة المواطنة هي ما يجمع الناس.
هي دعوة للتقارب والسلام والمحبة بين مكونات عراقية وإنسانية يؤمن بها الملايين من البشر، هذا التقارب واللقاء يزيد من قيم وأواصر التقيد باحترام الأخر، وان الاختلاف بين الأديان والمذاهب لايمكن أن يكون سببا يدعو للموت بأي شكل من الأشكال.