يقول الشاعر الكبير مظفر النواب:
((فالذئبة حتى الذئبة تحرس نطفتها.. والكلبة تحرس نطفتها..)) ويقدم أب وأم مصابان بعمى الضمير واختلاط القيم بإرسال طفلتيهما للانتحار بتفجير أجسادهم على الناس، هل يصل مستوى هذا الجنس من البشر الى الحيوانات؟ هل يمكن أن نتخيل ما أوصلته قوى التطرف والتعصب في الدين الى هذا المستوى المنحط من الأفعال التي تأبى حتى الحيوانات أن تمارسها.
مهمة الأبوين في رعاية الأطفال وحمايتهم وحضانتهم والإنفاق عليهم وتوفير الظروف التي تكفل لهم النشأة الصحيحة في احترام الناس وتنمية القدرات والمواهب والمحافظة على تعليم القيم الإنسانية والوطنية والدينية، إما أن يتم استغلال قصرهم وعجزهم عن التفكير، اما أن يتم استغلال كونهم مذعنين لاخيار لهم أمام طلبات الأبوين أو احدهما، لعدم ادراكهما أصلا ماهية الفعل الذي يقومان به فهذه الطامة الإنسانية الكبرى!!
وحيث ان من شروط الأبوين هو العقل والأمانة المنعدمة عند هذين الأبوين، لذا فأن ما قاما به من فعل وأقوال ظهرت على الملأ في تصوير فعلهما، لا يدل الا على انعدام العقل وسوء الخلق والانحطاط العقلي والنفسي وخطورتهما ليس فقط على أولادهم وعائلتهم، إنما خطورتهما الاجتماعية على المحيط والمجتمع الذي يعيشان به.
لم تقدم اي فصيلة من فصائل الحيوانات على ان تدفع الإناث ليقمن بأفعال البغي المجاني مهما اشتدت المعركة بينهم، إلا أن التطرف الإرهابي الإسلامي أباح للنساء أن يقمن بمعاشرة الرجال معاشرة غير شرعية بزعم إنها جهاد، فأختلط الحابل بالنابل، وصارت الشهوة والرغبة الجنسية جهادا وعملا صالحا، وصدرت الفتاوى والتبريرات التي تسهل لمثل هذا الفعل، بل صدرت الفتاوى التي تبيح اللواط وممارسة الجنس مع الرجال، وهكذا ظهرت للعالم الصورة الحقيقية للانحطاط العقلي والنفسي الذي تجسده الفتاوى والتبريرات التي ينشرها بعض مما يدعون انهم يمثلون عقيدة او فكر في حين أنهم يمثلون ويجسدون تلك الأمراض الشخصية والعائلية التي تلتبس فيها شخصياتهم المريضة.
يتشارك من يفتي ويدفع لمثل هذه الأفعال مع المنفذ الفعلي الذي يقوم بهذا الفعل، وجسد عناصر ما يسمى بالدولة الإسلامية (داعش)، او عناصر القاعدة وكل المسميات الرنانة التي على شاكلتها كل تلك الأوهام والأمراض والانحطاط في العقيدة والفكر حيث ينعدم العقل وينحط الشعور بالإنسانية فيتحول الإنسان الى ذئب أجرب او كلب مستكلب لا يحدث الا الأضرار بالغير.
يبرر المدعو (عبدالله السويلم احد مشايخ الوهابية في المملكة السعودية) من ان زنا المحارم أهون من ترك صلاة الصبح، وهكذا يبرر هذا المتطرف ممارسة فعل يعد من أخس وأكثر الافعال انحطاطا يتمثل في زنى المحارم، فيهونه ويخفف من وطأته، ويزيد الأمر طرافة فيفتي ان قتل الشخص خمس أفراد أهون واخف عليه من ترك الصلاة، وهو الأذن بان لكل شخص أن يقتل مادام يؤدي صلاة الصبح، هذا المعيار المضطرب لا يصدر إلا عن مختل أو معتوه.
وإذا تركنا الفتاوى التي تحارب العلم والعقائد الأخرى، باعتبار أن الكرة الأرضية لا تدور مطلقا ، يمكن ان يقع في فلك الرأي والمناقشة العلمية، أما أن تصدر الفتوى بتحريم تقديم الزهور، وتحريم تعلم اللغة الإنكليزية، وجواز الكذب وشهادة الزور على المختلف معنا في الدين ، وجواز التجسس وتخريب مواقع الأنترنيت، وتحريم الجلوس على الكراسي، وجواز الدسيسة، فهذه الفتاوى تقع ضمن الأخلاق والقيم، إلا أن تصدر الفتاوى التي تبيح بنبش القبور والتمثيل بجثث الموتى، وأن يباح بيع الإنسان واستباحة شرف النساء وتبادل الزوجات بين المقاتلين، واستباحة الأقدام على الانتحار لقتل اكبر عدد من الناس بغية نشر العقيدة، وأما أن يوصم جميع من يخالف العقيدة المتطرفة من البشر بالكفار والدفع بقتلهم والتنكيل بهم، فأن هذه الفتاوى تمثل النزعات الإجرامية المريضة ليس فقط في من يعتقد بصحتها او قبولها وتنفيذها، إنما يجب أن تطال العقوبة والحجر على من أطلقها وخدع بها فاقدي الضمائر وناقصي العقول. أما ان تصدر الفتوى التي تبيح للشخص قتل الاب او الام او الأقارب كمقدم للنفير الى الجهاد، فهذا هو التحريض على ارتكاب الجريمة والتمرد على العقل البشري ، كما حصل في السعودية من قبل الشقيقين التوأم (خالد وصالح)، وشاب أخر قام بقتل ابن عمه مع شقيقه مصورا الجريمة البشعة التي هزت المجتمع أول أيام عيد الأضحى الماضي، وسبق ذلك الحدث قيام شاب آخر بقتل خاله والمربي له قبل حلول وقت الإفطار في شهر رمضان من العام الماضي ليقوم بعدها بتفجير سيارة عند إحدى نقاط التفتيش على طريق الحائر في الرياض ما أدى إلى مقتله.
وفي محافظة خميس مشيط جنوب السعودية قام شاب بقتل والده بعد محاصرة رجال الأمن له، ولم ينتصف العام الحالي الجديد إلا وتكتشف الجهات الأمنية قيام ستة أشخاص باستغلال الروابط العائلية بينهم وبين رجل أمن يدعى بدر الرشيدي واستدراجه، وهو أعزل إلى موقع ناء على طريق (الرياض- القصيم- المدينة المنورة)، وقتله غدرا بكل خسة ودناءة، إذ كشفت كل هذه الوقائع المؤلمة حقيقة واحدة أن الإرهاب يهدد المجتمع دون رحمة، واليوم توغل هذا الفكر في قتل صلة الأرحام بشكل معلن.
بالإضافة الى صدور فتوى تبيح اغتصاب عشرة مقاتلين للمرأة كشرط لإدخالها ألإسلام، وتحريم الحلاقة، وابتكار أساليب غاية في البشاعة عند إعدام المخالفين للتنظيم المتطرف، وتحريم استعمال الهاتف المحمول من قبل المراة، وجواز الاستحواذ على مال من يتم إعدامه او أموال المخالفين في العقيدة والدين واستباحتها.
إن هذه الفتاوى والتصريحات لها دور كبير في دفع الناس في المشرق العربي والدول المتخلفة الى ارتكاب الجرائم، ونشر الرذيلة، بالنظر للجهل والأمية وسيطرة الدين والمذاهب على شرائح واسعة من الفقراء والمعدمين في هذه البلدان، ما يجعل إنتاج الجريمة مبررا وسهلا، وإمكانية تصديره الى خارج بلدانها، باعتبار أن كل البشر هم كفار وأعداء للدين حسب العقيدة المتطرفة، وحسبنا أن نلمس هذا التطرف ليس فقط في الفتاوى، إنما في المناهج التعليمية للمدارس، وفي خطب أئمة الجوامع وفي شخص من يصدر الفتاوى، وبالنظر لكون هذه الفتاوى والمناهج تعتبر الأساس الذي تقوم عليه العقائد المتطرفة والإجرامية البعيدة عن القيم الإنسانية والمتعارضة مع قيم السلام والمحبة، لذا فأن خطورتهما الإجرامية لاتحل في المناطق المتخلفة والفقيرة من هذه البلدان، إنما ستتوسع وتنتشر مادامت مستمرة في مناهجها وتدريسها وصدورها بأي شكل من الأشكال، ومادام التحريض على القتل وارتكاب الجريمة يجد له تبريرا ومخرجا وتسهيلا من المحرضين دون أن نجد عقوبات او تدابير من شأنها أن تردع هذه المجموعة من الاستمرار بأفعالها الإرهابية والإجرامية.
تحليل جرائم القتل والذبح بأي شكل كان يعد مساهمة جنائية وتحريض واضح لمشاركة مرتكبي تلك الجرائم ، ما يستوجب اتخاذ إجراءات قانونية دولية باعتبار أن الجرائم الإرهابية من جرائم الاختصاص الشامل التي تنص عليها جميع القوانين الدولية وتتخذ بحق جميع المشاركين بارتكابها التعقيبات القانونية، فالمفتي بتسهيل الجريمة او بالدفع لارتكابها تحت شتى الأسباب والذرائع لا يعدو إلا شريكا حرض على ارتكابها، ودفع عمليا مرتكب الجريمة لتنفيذها، ويعاقب بالعقوبة التي يعاقب بها الفاعل الأصلي.
ولعل الهيئة الدولية وهي الحريصة على السلم والأمن بين الشعوب أن تلتفت الى هذا الجانب وتتخذ من الوسائل والتعقيبات والقرارات التي تساهم في الحد من هذه الظاهرة الإجرامية التي لم يجد مروجيها ومتخذيها وسيلة للتنفيس عن نزعاتهم الإجرامية وسيلة وغاية للانتقام من البشرية، وتحرص على حجرهم وحجزهم في مصحات نفسية وعقلية ليكونوا بشرا يفكرون بعقول إنسانية أن أمكن ذلك.