يطلق تعبير (التطرف) على التوجه الفكري السياسي أو الديني البعيد عن الواقعية، والذي يتسم بتوجه يعتمد العنف أو القسوة أو الغلو في اغلب الأحيان، أو انه يعتمد وسائل وطرق غير مبررة لتحقيق الأهداف والغايات، كما يمكن أن يكون التطرف متناقضا بشكل متباين مع الاعتدال والتعقل، ومرادفا للتعصب والانغلاق. كما يطلق على الشخص (المتطرف)، باعتباره يمارس توجها متطرفا يتسم بالغلو، ويمتاز بعدم قبوله فسح المجال للنقاش او التقابل في الأفكار، وعدم وجود مرونة في المعتقد، والمتطرف يعني البعيد عن الاعتدال، والبعيد عن الوسطية أيضا. وظاهرة التطرف وأن كان لها جذور في بلدنا، إلا أن هذه الجذور تضعف أو تشتد تبعا للظروف السياسية والاجتماعية، وتبعا لتنامي الفكر والثقافة والمعرفة وأتساع دائرة الوسطية والفكر المعتدل، وتكاثر المبتعدين عن الغلو، وفرض الرؤية الواحدة على الغير، واعتبار كل فكر أو رؤى مخالفة لعقيدة المتطرف خطأ، والمتطرف يبالغ في تجاوز حدود المقبول والمعقول في فكره، ولعل ظاهرة التطرف الديني والمذهبي والقومي من أكثر المظاهر التي تبرز هذا الجانب.
ويشكل التطرف الديني حالة من حالات الإقصاء، وعدم الاعتراف بالأخر، ومحاولة استئصاله وكتم صوته بأية وسيلة من الوسائل، وهذه الظاهرة استفحلت في العديد من البلدان، وتفشت بين أهلها بشكل لافت للنظر، وكما ان بوادر التشدد والتزمت في الأيمان بعقيدة دينية أو مذهبية هو طريق ومنهج لن يؤدي الا الى التطرف، وغالبا ما يسيطر الوهم على عقل المتطرف فيعتقد جازما انه يؤدي رسالته التي
يجب على الجميع ان يؤمن ويلتزم بها، ويعمل جاهدا بكل الوسائل والسبل للهيمنة والسيطرة وفرض الرأي. كما أن فرض فكر معين أو تسلط حزب معين يفرض أهدافه او شعاراته رغما عن إرادة الآخرين يعتبر نمطا من أنماط التطرف ، ويتعلق التطرف أيضا بالشخصية، إذ تسيطر على عقليته الأفكار التي يؤمن ويعتقد بها، فلا يستطيع الاستيعاب للاطلاع أو للنقاش في ما يخالفها أو يفندها، فيتمسك بكل الجزئيات، ويلجأ غالبا إلى العنف سواء في الكلام أو في التصرف.
وظاهرة التطرف التي تسود بلدنا من الظواهر السلبية التي تعيق تقدم المجتمع، بالنظر لكون التطرف يدفع باتجاه إلغاء الفكر الآخر، واللجوء إلى أساليب وطرق بعيدة عن المنطق والقبول، ومحاولة فرض الفكر المتطرف على الآخر قسرا، وحتى في حال رضوخ او قبول الآخر بهيمنة الفكر المتطرف، فانه يبقى يتحين الفرص للانفلات والانقضاض عليه في أي وقت، وبذلك فأن الفكر المتطرف بالإضافة إلى خطورته الاجتماعية فأنه يبقى مشروع للرفض، وعائق للتطور والتقدم.
ولا يمكن أن يتم حصر التطرف بالبلدان المتخلفة فقط، إنما ولكون التطرف ظاهرة إنسانية ومرض اجتماعي، فانه لابد وان يجد له حاضنة او بؤرة يرتكز عليها حتى في البلدان المتطورة، ولأنه ظاهرة إنسانية فأنه يصيب جزء من هذه المجتمعات، ويمكن ان تتخلص منه بوسائل التصدي المشروعة، وبنشر الوعي والإصلاح السياسي والاجتماعي، ومحاولة التصدي له بطرق علمية ودراسات عملية من خلال رؤية شاملة للأسباب الحقيقية التي تؤدي الى ظهوره.