أنجزت مطالعة كتاب (قصة حياتي في بلاد الرافدين) للأديب والحقوقي أنور شاؤول (تولد 1904) الصادر عن مطبعة الشرق العربية بالقدس 1980 ، والذي زينته مقدمه الأديب البروفسور شموئيل موريه باعتباره رئيسا لرابطة الجامعيين اليهود النازحين من العراق.
يشكل الكتاب مزيجا من المشاعر والمواقف والأحوال التي كان عليها العراق في السنوات الأولى للحكم الملكي بعد انزياح سلطة الدولة العثمانية وقيام الحكم الوطني، كما تشكل بعض الإشارات التي يسردها أنور شاؤول بصدق الواثق من نفسه وبيقين العارف محبته وعشقه لجذوره في العراق، تلك الجذور التي اثبت الزمن انه وغيره من يهود العراق أمناء عليها ما بقي الإنسان والعراق، ونستطيع إن نتجاوز فنقول انه أرخ جزء من الضيم الواقع على أبناء العراق من اليهود، والقحط الإنساني الذي حل في النفوس، والممارسات التي حرصت السلطات المتعاقبة من العهد الملكي مرورا بعهود الانقلابات العسكرية على تنفيذها بحق تلك الشريحة العراقية، التي تمسكت بالعراق بأنياط قلوبها وبرموش عيونها، ورحل العديد منهم ولم يزل نخيل العراق ينتج فسائل داخل روحه، فينقل تلك المحبة ويبوح لأجيال لم تر العراق بتلك العلاقة الأزلية بين الإنسان والوطن، وبين الإنسان والإنسان. يستذكر المؤلف طفولته ومرابعه في مدينة الحلة ومابين نهر الحلة وخرائب بابل، وذكريات نابتة في الروح تتلون صورتها كلما عبرت سنوات أنور، ومابين الصوب الصغير والكبير ، ومحلة الهيتاويين وثورة العشائر، تشعر انه يتحدث عن قطعة من القلب تركها قسرا، وان حروفه مغمسه بألوان الروح العراقية التي تمتد جذورها في أعماق التاريخ السحيق.
وفي حادثة يسردها العراقي أنور تتضمن دلالة أكيدة على تلك الأواصر والروابط الإنسانية المتينة التي تربط العراقيين دون اعتبار للقومية أو للدين أو المذهب، تلك الروابط التي كان يلتزم بها المجتمع العراقي ويتباهى بها الى جانب كل قيم الخير والنخوة والشهامة والكرم والمروءة، فقد توفيت والدته ولم يزل رضيعا في الشهر السابع، وفي لجة انشغال العائلة البحث عن مرضعة له، تحل عليهم جارتهم (أم حسين) التي اعتادت إطعامهم التمر الأشرسي من نتاج نخلات بيتها، تصطحب معها ابنة عمها (وضحة - أم عبد الهادي-) التي تتبرع بإرضاع أنور ، ثم تقوم بإرضاعه ليصبح أنور شاؤول أخ لعبد الهادي بالرضاعة.
تلك الحادثة تعبر تعبيرا دقيقا عن عمق المعاني الإنسانية والقيم العراقية التي تسود المجتمع في تلك الفترات، تلك الشهامة والتسامح والمحبة التي تسود حياة البشر، وكيف نقارن تلك الواقعة مع ذلك الحقن المتخم بالكراهية الذي ساد بعد حال تجاه اليهود في العراق، (حتى تم رفع اسمهم اليوم من الدستور الذي انتظرنا أن يمنح الحقوق للجميع)، غير أن جذوة الحقد الأعمى التي تجعل فوارق وعلامات مختلفة على الأطياف العراقية، فتوزع الوطنية والمواطنة درجات وفقا لمعايير دينية ضيقة أو قومية أو مذهبية أكثر ضيقا مزقت النسيج وأشاعت الفرقة اليوم.
ومابين شط الحلة والطريق الى بغداد ، يبدأ أنور شاؤول مرحلة أخرى من حياته، تشعر وأنت تقرأ له التصاقه بالعراق وحرصه النابع من وجدانه تجاه كل أهله. وأذ يعبر العرش عن نظرته الإنسانية الدقيقة لمعالم الحياة العراقية من خلال خطاب الملك فيصل الأول ملك العراق وهو يخاطب أبناء العراق، ولذي جاء فيه: (لا شيء في عرف الوطنية اسمه مسلم ومسيحي وإسرائيلي، بل هناك شيء يقال له العراق.. وإني أطلب من أبناء وطني العراقيين أن لا يكونوا إلا عراقيين، لأننا نرجع إلى أرومة واحدة، ودوحة واحدة.. وليس لنا اليوم إلا واسطة القومية القوية التأثير). وعلى هذه الأسس كانت تتعايش الناس، ويعود أنور شاؤول يستعرض دراسته الابتدائية وانتقاله بين المدارس وتنقله بين المعلمين، تشعر بتلك الحرية والفسحة من الحرية التي تتمتع بها الناس في بلد يتسع لكل الأطياف الإنسانية، خليط من المسلمين والمسيحيين واليهود والصابئة المندائيين والأيزيديين، لاتميز دياناتهم وخصوصياتهم، كلهم يسعون لبناء العراق لاتحددهم خصوصيات أديانهم، فلكل شأنه الخاص ودينه الخاص ايضا. وحين يستذكر أنور المعلمين الذين مروا بحياته، والأسماء التي بقيت في ذاكرته، لن يتجاوز أسماء علماء وشعراء من المسلمين كانوا يعملون في مدارس اليهود، فيذكر السيد محمود الوتري وغالب العزاوي وفضيلة الشيخ عبد العزيز الشواف (ص 62-65)، وهذا الخليط المتنوع من الأساتذة والأسماء التي ساهمت في أنجاز الثقافة العراقية بكل خطوطها، يدل على عمق ما تركته تلك النخب من أثر في تلاميذهم ليس في المعرفة والثقافة والتعليم، إنما بالالتزام والأخلاق والوطنية.
وأذ يستعرض أنور شاؤول جهاده في العمل ومتابعة التعليم، فأن جذوة الشعر لم تنطفيء داخل روحه، فكان ينظم القصائد ويبحث عن الشعراء ليتزود منهم ما يستطيع، فيذكر عن علاقته بالشاعر جميل صدقي الزهاوي وبمعروف الرصافي، حيث بدأ خطواته الشعرية في العام 1921، ثم اكتملت في العام 1925، بالإضافة الى مقابلته لشاعر الهند وفيلسوفها رابندرانات طاغور، تلك الشخصية الكبيرة والمؤثرة. ومن أشعاره عن الحلة الفيحاء قصيدة بعنوان مسرح الصبا:
يا ديارا حبها تيمني
لك في قلبي غرام أبدي
يا نسيما هب أبان الضحى
أنت جددت الهوى في كبدي
يافراتا ماؤه قد لذ لي
لك إني عطش من آمد
بلدي افديك إن عز الفدى
بلدي.. ياطيف أمسي في
غدي هاك مني القلب ذكرى
لاتنيفي الوفا صادقة للأبد
ويتابع ذكرياته وعمله في الصحافة العراقية واضعا قدمه على أسس راسخة، ومن كلية الحقوق الى الشغف بالشعر والعمل في الصحافة، يستذكر علما من أعلام القانون ومرجعا تعتز باسمه المحاكم العراقية حتى اليوم، انه القاضي داود سمره، القانوني الضليع والكبير والنزيه العادل، وكان أول حاكم لمحكمة البداءة في العراق في العام 1917 ، فيخصص له جزء مهم من هذه الذكريات العبقة.
ويعود شاؤول لاستذكار الأسماء التي رافقته في رحلة العمر ومزقت شملهم الأيام، فيذكر منهم جميل عبد الوهاب الذي صار وزيرا للعدل وصهرا لنوري السعيد، ويونس السبعاوي احد الضباط الأربعة الذين تم تنفيذ الإعدام بهم، وعبد القادر إسماعيل الكادر السياسي اليساري والمحامي اللامع، وعزيز شريف القاضي والسياسي وعضو مجلس السلم العالمي ووزير العدل، حيث كانوا رفاق رحلة كلية الحقوق.
دخل الكاتب مهنة المحاماة في خريف العام 1931 مندفعا واثقا من قدرته على العمل، يخوض تجارب تؤهله لأن يكون من المحامين المتميزين في بغداد، غير انه بعد سنوات لاتتعدى أصابع اليد ارتبط بوظيفة مشاور قانوني لنظارة الخزينة الملكية الخاصة، بالإضافة الى عمله وكيلا عاما عن شركة دخان طبارة وعبود، وبالنظر لتوسم السلطات القضائية بثقافة وحيادية أنور شاؤول فقد جرى انتخابه خبيرا في العديد من الوقائع السياسية منها أو الثقافية أمام المحاكم العراقية. وكان لمجلة الحاصد تأثيرا روحيا كبيرا في نفس شاؤول، فقد رعاها بماء العيون وسقاها من ثقافته الإنسانية، وكان للمجلة تأثير واضح وإسهاما بليغا على الثقافة العراقية والجمهور العراقي المتابع، ما جعلها من بين الصحف والمجلات الشهيرة في العراق وبالتالي صار اسم أنور شاؤول مشتهرا ومعروفا ايضا. ويوجه الكاتب في الصفحة 166 من الكتاب نقدا للقانون الجنائي العراقي بصدد النظرة الى المتهم السياسي، ويطرح أفكاره للتفريق بين المتهم العادي والسياسي في أمور لعله لم يكن يتوقع أن يأتي زمان تصر فيه السلطات الحاكمة في العراق على مخالفة تلك المقترحات التي صارت التزاما دوليا ونصت عليها لوائح حقوق الإنسان، فيتم تعاملها مع المتهم السياسي بأقل قيمة من المجرمين العاديين، وتلك مصيبة نظرة تلك السلطات حول قضية الفكر.
ومن خلال مسيرة أنور وأوضاع اليهود العراقيين تتلمس ذلك التمازج الإنساني في الحياة ، تلك الحياة البسيطة، الحرص الذي يلتصق به الجميع، متطلعين نحو مستقبل يليق بالإنسان.
ويستمر أنور شاؤول في مساهماته الثقافية وإثراء المكتبات العراقية، ليس فقط بأشعاره وقصصه الواقعية ونقده اللاذع ومقالاته الصحفية، إنما من خلال تأسيسه لشركة الطباعة التي ساهمت في أنجاز العديد من التراجم والإصدارات العراقية المهمة.
وفي التفاته عن أجواء الحرب العالمية الثانية وما أحدثته النازية من خراب في النفوس، فقد كان قلة ممن فقدوا الوعي وغفت ضمائرهم يناصرون النازية ويمجدون هتلر زعيم الحروب وقائد الموت، مع أن تلك النازية تعتبرهم أقل من القرود منزلة، ولاعجب في بعض ممن يجد في الظالم معبودا وفي السلطات الفتاكة والطاغية خلاصا وانسجاما مع روحه المسكونة بالذل والتردي والانكسار.
ولاريب أن مشروع الطباعة الذي أقدم عليه أنور شاؤول في منتصف الأربعينات عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، لم يكن مفروشا بالورود بل كان مشروعا جازف بكل ما يملك من اجل إن يجعل كلمة الحق والثقافة تنتصر، ليساهم أنور في انتشارها والانتصار لها، وبالرغم مما كان يعانيه العراقي اليهودي من كبت وقيود وظلم، لكنه مضى في الطريق بالرغم من كل الغيوم الملبدة التي تغطي الأجواء وتثير الريبة، إلا أن الروح تلك المتجذرة والنابتة مثل النخل لاتتردد في إن تثق بمنبتها وجذرها الغائر في أعماق العراق، فقد كانت ثقة أنور شاؤول بالعراق كبيرة ولاتوصف.
فيدور دولاب العمل، حينها يتحدث شاؤول عن مواكب النازحين وإسقاط الجنسية وحجز الأموال وتجميد الأموال والأرصدة ومنع السفر ورقابة الأمن ورقابة الهواتف، ولكن دار الطباعة تنشر تأريخ العراق بين احتلالين لعباس العزاوي، وتنشر ديوان الشيخ علي الشرقي وتنشر كتاب الحاكم الأديب مصطفى علي (جرائم مرت أمامي)، وتنشر مباحث في الاقتصاد العراقي ومجموعة قصص للكاتب مير بصري ذلك الطود العراقي الذي بقي يعطي للعراق حتى اخر ايام عمره، وكتب أخرى للعلامة مصطفى جواد والشيخ جلال الحنفي ونعمان ماهر الكنعاني وعلي الخطيب وبلند الحيدري وحسين مردان وبسيم الذويب.
كل هذا وإسقاط الجنسية والتجريد من الحقوق على قدم وساق، ودون ضوابط ، حتى سقط الحكم الملكي بالضربة القاضية، ولم يكن العهد الجمهوري أكثر عدلا وضمانا لحياة العراقيين من اليهود، فبات القلق طعام أيامهم، والهواجس تأكل من أعمارهم ، فيأتي شباط 1963الأسود يزيد حلكة الحياة في العراق، ثم يأتي عهد دولتي أبناء محمد عارف الأسود منها والأبيض، وفي كل تلك الأحوال تزداد قرارات التعسف والمنع والمراقبة وتحديد الإقامة، وضياع الحقوق في الدستور، والتنكر لكل المقاييس والالتزامات تجاه رعايا يحملون جذور العراق في أهداب عيونهم.
يقول شموئيل موريه في المقدمة:
أن الذكريات التي دونها الأستاذ أنور شموئيل في هذا الكتاب تروي قصص الآلاف من يهود العراق الذين اخلصوا لبلادهم ومسقط رأسهم، وعرفوا بوطنيتهم وخدماتهم الجليلة، وكانوا من أركان نهضة العراق الحديث في ميادين شتى، فكان جزاؤهم جزاء سنمار، مما أضطرهم الى مغادرة العراق. ولعل في تلك المكابدات التي شملت تلك الأعداد التي استلبت أرواحها، من اليهود العراقيين الذين آثروا البقاء تعلقا وعشقا بالنخل والفرات ودجلة، فيتم عزلها والتعامل معها بدونية وتنكر، دون أي سبب مقبول أو معقول، ويصل الأمر الى التصفيات الجسدية ولصق التهم بالخيانة والتجسس، وقد تعبر الأبيات التي خطها أنور شاؤول عن الحزن المنكسر في قلب الإنسان فيقول:
قطعت دروب العمر أهبط تارة
وطورا الى الأعلى أغذ وأصعد
وقلت سألقى الحق يوما وأن نأى
فأطرد أحزاني بعيدا وأسعدا
ومر من العمر المقدر جله
وكادت يد الأيام بالعزم تقعد
وأذ بنداء الحق يطرق مسمعي
لعمرك أنت اليوم عني أبعد
وإذ تتقطع الأوصال وتتبعثر العائلة، ويشيخ أنور شاؤول بعدما تكلس الحزن في قلبه، فيزيد جدرانه صدأ وقيح، وتدفعه الأيام ليشعر بالوحشة والغربة في وطنه وبين أهله، بعد أن غادره الأولاد والأحبة، وبات شيخا يشعر بمكابدات الوحشة والفراق، فيلملم روحه بعد مكابدات ومنازعات عديدة، وبعد أن صارت ملفاته كبيرة في دوائر الأمن دون جريرة أو تهمة، وبعد أن تعددت مرات استدعاءه أمام ضباط الأمن وجلاوزة التحريات، فيغادر جذوره ويحمل روحه مع ما تعلق بها من تراب العراق.
يقول الشاعر جميل صدقي الزهاوي:
سيهذب المستقبل الأنسانا
حتى يكون أبر مما كانا
حتى يبدل من عداوته رضى
ومن القساوة رحمة وحنانا
عاش النصارى واليهود ببقعة
والمسلمون جميعهم أخوانا
لم يكن الزهاوي موفقا في نبوءته، فقد عم الحقد وتأصلت الشرور في النفوس، وسادت مفاهيم الفرقة، حتى اضمحلت تلك النقاوة في النفوس، وتناست الناس تلك المودة والقيم، ولم تتسع تلك البقعة المباركة لكل الناس، حيث طغت قرارات الأشرار وحبائلهم تمعن في تقطيع أوصال تلك النفوس الموحدة، مع أن تلك الأسماء لم يزل من يتمسك بها من أصحاب الضمائر الحية، ولم تزل تلك المرضعات (أم حسين، ام عبد الهادي) يتذكرن تلك البيوت العراقية من اليهود، وهي تتمسك بكل تلك القيم والمفردات التي رضعوها من حليب العراق.
ولعل أنور شاؤول حين نظم رباعيته الخالد كان يعبر عن أحاسيسه كعراقي يحمل جذور العراق في تلافيف روحه، كابد وأصر أن يبقي تراب العراق ينتشر فوق ذلك القلب الكبير، صلبا ومتحديا كل عوامل الزمن الرديء، يصد كل عاديات الأيام التي بدأت تنحدر من سيء الى الأسوأ، لم يكن يعرف أن السمؤل صار أسما في الذاكرة المنسية لايعرفه العديد من أبناء العراق ،والسموأل (القرن السادس الميلادي) شاعر يهودي، ضحى بولده من أجل حفظ الأمانة، واشتهر بلاميته، التي منها البيت المشهور:
إذا المرء لم يدنس من اللوم
عرضه فكل رداء يرتديه جميل
يقول أنور شاؤول في الرباعية :
أن كنت من موسى قبست عقيدتي
فأنا المقيم بظل دين محمد
وسماحة الإسلام كانت موئلي
وبلاغة القرآن كانت موردي
ما نال من حبي لأمة أحمد
كوني على دين الكليم تعبدي
سأظل ذياك السمؤل في الوفا
أسعدت في بغداد أم لم أسعد
ومن يتابع مجريات الأمور، والصور المقلوبة التي ساهمت في رسم خطوطها مصالح ورغبات ومخططات، نالت من العراق أكثر مما نال يهوده، وبدءوا باليهود في الصفحة الأولى، لأن الصفحة الثانية منه ستنال المسيحيين والمندائيين واليزيديين، وها قد حلت تلك الصفحة في الزمن الرديء حتى ينقلب من ينفذها على أنفسهم فينهشوا بعضهم البعض، وإذ تتعدد الصفحات ونعيش الزمن الذي يذبح المسيحي لدينه ونقاءه، والمندائي لتمسكه بديانته وأصالته، والأيزيدي بتلك الديانة العريقة والقديمة وعطاءه لكل العراق، واليهودي لبقاءه في العراق وتمسكه بالجذور، وتلجأ تلك الدمى تتسلح بالخناجر والقنابل والمسدسات فتكشر عن أنيابها، وتوغل تنفذ صفحة بائسة من صفحات التدمير الشامل ليس فقط لقيم الإنسان في العراق، ولا لمكوناته الأساسية، ولا لتاريخه البهي، بل لكل ما يشير الى الإنسان في هذا البلد العريق، وبعد كل الزمن القاحل حيث رحل مير بصري ورحل سمير نقاش ورحل شاؤول ساسون خضوري ومناحيم صالح ورحل أنور شاؤول ورحل غيرهم العديد من رموز الثقافة العراقية، ورحل قبلهم العديد من أقطاب السياسة العراقية، من الذين خطوا لنا البدايات الأولى لم نكن نعير أهمية لدياناتهم وأطيافهم وقومياتهم، كان جل اهتمامنا بالإنسان، دفع المسيحيين أولادهم الى المشانق من أجل العراق، وقدم المندائيين تضحياتهم على مذبح حرية العراق، وساهم الأيزيديون في تلك الملاحم بالعديد من شبابهم، مثلما ساهم اليهود في تلك التضحيات بشكل واضح لاينكره التاريخ العراقي، وكان للمسلمين معهم الصفحات المضيئة في سفر الحرية والانتصار للحق، الإسلام الذي يدافع عنهم ويحميهم غير تلك العقول التي ابتليت بالشرور والأحقاد.الا أن عقول الشر أرادت السوء بكل العراق، ولكن العراق باق وكل تلك القيم الخير والمحبة والسلام باقية ما بقي الإنسان والعراق.