يعد الدستور العراقي القانون الأسمى والأعلى في العراق، ويكون ملزما في أنحاء العراق كافة ودون استثناء، هذا ما نصت عليه المادة ( 13 ) منه، ووفقا لقانون العقوبات العراقي النافذ رقم 111 لسنة 1969 المعدل فقد حدد عقوبات على مرتكب جريمة السكر ( 386 - 388 ) ، ووفقا لنص الفقرة ( ثانيا ) من المادة ( 19 ) من الدستور فان لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، ولا عقوبة إلا على الفعل الذي يعده القانون وقت اقترافه جريمة، ووفقا لمبدأ الشرعية الجزائية فان أي فعل لم يتم تجريمه بمقتضى القانون لا يشكل ارتكابه جريمة ولايتم معاقبة الفاعل عنها، مالم يكون الفعل محظورا أو معاقبا عليه قانونا.
وعاقب قانون العقوبات العراقي في الفقرة الأولى من المادة ( 386 ) مرتكب جريمة السكر في حال وجد الفاعل (في حالة سكر بين)، وفي طريق عام أو محل عام، وأن يكون قد فقد صوابه أو انه أحدث شغبا أو إزعاجا للغير، وتعني عبارة (بين) واضح ومؤثر على مدارك الشخص بأن يكون فاقدا لصوابه بتلك الدرجة الشديدة من السكر، وعاقب في المادة ( 387) كل من حرض حدثا لم يبلغ الثامنة عشرة كاملة على تعاطي السكر، وعاقب في المادة في الفقرة الأولى من المادة ( 388 ) كل صاحب حانة أو محل عام آخر قدم مسكرا لحدث، وفي الفقرة الثانية عاقب كل صاحب حانة أو مشرب أو ملهى ليلي وكل مستخدم فيها سمح بدخول شخص لم يبلغ 21 عاما من عمره، وقد جرى تعديل على جرائم السكر في العام 1980 وفقا للقرار المرقم 1477 بان لا يعتبر عذرا مخففا للعقوبة يستدعي الرأفة إذا ارتكبت الجريمة وكان الفاعل قد تناول مسكرا بإرادته واختياره .
ووفقا لنص المادة ( 106 ) من قانون العقوبات ضمن التدابير الاحترازية السالبة للحرية أو المقيدة لها، تمت معاقبة الفاعل خلال فترة الحكم بمنع ارتياده الحانات ومنعه من تعاطي الشراب المسكر في تلك الحانات.
وجميع المحاكم على اختلاف درجاتها لا تعتبر الفعل جريمة مالم يتم تجريمه بنص نافذ وفقا للقانون، ووفقا لنص الفقرة ( ب ) من المادة 182 من قانون أصول المحاكمات الجزائية المرقم 23 لسنة 1971 المعدل فان المحكمة إذا لم تجد أن فعل المتهم لا يقع تحت أي نص عقابي فتصدر حكمها ببراءته من التهمة الموجهة إليه ، كما أن مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص جرى احترامه والتقيد به ليس فقط في مجال العمل القضائي فقط، إنما التزمت به السلطة التنفيذية والتي يحكم أفعالها المخالفة للقانون باب تجاوز الموظفين حدود وظائفهم (المواد من 322- 341 )، والالتزام يؤكد الضمان السياسي لمبدأ أن لكل فرد في هذا المجتمع الحق في الحياة والأمن والحرية ولا يجوز حرمانه وتقييده منها إلا وفقا لقانون، كما أن الالتزام بمبدأ الشرعية يؤكد أيضا ضمان ممارسة حق كل فرد في الحرية الشخصية بما لا يتنافى مع حريات وحقوق الآخرين والآداب العامة.
وتؤكد جميع المصادر الدستورية والقانونية بان الالتزام بهذه المبادئ يمثل مظهرا من مظاهر السيادة والقانون، وان جميع التعليمات والأنظمة التي تصدرها أي جهة كانت مهما علت لايمكن لها أن تلغي مبدأ الشرعية وقوة القانون وأحكام الدستور، ولأن السلطة التنفيذية لاتملك فرض القوانين إلا في حال تفويضها ذلك من قبل مجلس النواب أو فرض حالة الطوارئ في الحروب أبعدها الله عن بلادنا، كما أن تنفيذ الأوامر المخالفة للقانون يصبح غير واجبا أو ملزما ممن يجب عليه تنفيذه.
تقوم مفارز التفتيش في العاصمة بغداد أو في بعض المحافظات بمصادرة قناني المشروبات الكحولية التي تعثر عليها بحيازة المواطنين أو في سياراتهم الشخصية في حال التفتيش الرسمي، كما إنها قد تقيد حرية المواطن وترسله إلى مركز الشرطة لتحيل أوراقه على قاضي التحقيق ، باعتبار أن فعله (كما يعتقد أفراد المفرزة ) مخالفا للقانون، والحقيقة أن القانون العراقي لم يمنع ولم يجرم حيازة المشروبات الكحولية وفق نص قانوني نافذ، كما أن القانون لم يمنع تناول المشروبات الكحولية وفق نص قانوني أيضا، كما أن مصادرة المواد المعثور عليها بشكل مخالف للقانون يجعل أعضاء المفرزة متجاوزين لحدود واجباتهم الوظيفية وبالتالي يتحملون كامل المسؤولية القانونية عن ذلك بما فيها المسؤولية الجزائية والتعويض المادي أن كان له مقتضى. وإذا كان الدستور العراقي قد كفل الحرية الشخصية للمواطن فان كل تقييد لهذه الحريات لا يحدث ضررا للشخص المتضرر فقط، بل يعتبر تمردا على إرادة الدولة والسلطة، وإساءة بالغة لقوانينها، فالحرية الشخصية ينبغي أن تكون مصانة ومعترفا بها بما فيها حرية العقيدة والرأي والتفكير والتعبير والتملك.
وقد يعتقد بعض أعضاء المفارز بحسن نية أنهم يقومون بتطبيق التعليمات التي ينقلها إليهم بعض مسؤوليهم، أو أن الأمر يتعلق بالحلال والحرام شرعيا، وهم بهذا الأمر إنما يضعون أنفسهم بمواجهة القانون، ويتحملون مسؤولية جميع الأفعال المرتكبة بما فيها الضرر المادي والمعنوي وفعل المصادرة. وقانون العقوبات العراقي واضح وصريح لا يجامل ولا يحابي أحدا أو جهة ما، حيث ابتدأ بنص المادة الأولى منه بان لاعقاب على فعل او امتناع إلا بناء على قانون ينص على تجريمه وقت اقترافه، ولا يجوز توقيع عقوبات اوتدابير احترازية لم ينص عليها القانون، وأمام خروقات تطال عدد من المواطنين نهيب بالجهات المسؤولة عن تلك المفارز أن تقوم بنشر الوعي القانوني والمعرفي لأفرادها لتكون بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقها، وحتى تكون مهمتها مقيدة بتوفير الأمن للمواطنين، وتطبيق القوانين بأمانة، والتقيد بأحكام الدستور، وضمان حقوق الإنسان التي كفلها وأكد عليها دستور العراق.