المتابع لوجهات نظر المختصين في القانون الدولي يجد ذلك التباين والاختلاف في التوصل الى تعريف شامل لحق تقرير المصير ، إلا أن حرية الإرادة تبقى هي القاسم المشترك في جميع الآراء. ويرى بعض الفقهاء أنه (( حق شعب ما في أن يختار شكل الحكم الذي يرغب العيش في ظلّه والسيادة التي يريد الانتماء إليها ))، وهذا الحق هو جزء أساسي ولايمكن فصله عن المباديء العامة لحقوق الإنسان، وهذا الحق أيضا نتيجة التضحيات والمخاضات التي ناضلت من اجلها الشعوب المسلوبة ألإرادة والمضطهدة، والتي سطرت في سبيلها الملاحم والتضحيات عبر نضالها الطويل خلال المسيرة الإنسانية، من أجل الإقرار بهذا الحق، بديلا عن الاستعمار والهيمنة، وعن سيطرة مجموعة بشرية على مجموعة أخرى بأي شكل كان.
يمكن القول أن حق تقرير المصير ولد مع الثورة الفرنسية وحروب الاستقلال الأمريكية، إلا انه لم يتمكن من الظهور كحق دولي معترف به إلا بعد الحرب العالمية الثانية، خلال فترة حروب الاستقلال التي خاضتها الدول الواقعة تحت الاستعمار ضد الدول المستعمِرة. وأذ تتباين وجهات نظر العديد من فقهاء القانون الدولي في أيجاد تعريف شامل لهذا الحق والموقف منه determination self ، مع أن تقرير المصير اقترن منذ القرن السابع عشر بتعبير حرية الإرادة free will ، ومع ذلك يرى بعض الفقهاء أن من الممكن أن يكون التعريف الوارد أعلاه تعريفا قريبا من المعاني الأساسية لهذا الحق .
وجاء في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المرقم 1514 في 14/كانون الأول / 1960 حول إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة لرسوخ أيمان شعوب العالم بحقوق الإنسان الأساسية، وبكرامة الإنسان وبالمساواة ، وإيجاد الظروف التي تتيح الاستقرار وإقامة العلاقات السلمية على أساس احترام مباديء المساواة بين الشعوب في الحقوق وحقها في تقرير مصيرها. وكما أن المنازعات الناجمة عن إنكار حرية تلك الشعوب أو إقامة العقبات في طريقها يشكل تهديدا خطيرا للسلم العالمي، وأن للأمم المتحدة الدور الهام في مساعدة الحركات الهادفة إلى الاستقلال في الأقاليم المشمولة بالوصايا، والأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي. وتؤمن المنظمة الدولية بأن لجميع الشعوب حقا ثابتا في الحرية التامة وفي ممارستها سيادتها وفي سلامة ترابها الوطني.
وتعرفه المادة الأولى من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المرقم 2200 في 16/ كانون الأول/ 1966، بأنه لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها ، وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي، وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وأن على جميع الدول الأعضاء بما فيها الدول التي تقع على عاتقها مسؤولية إدارة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، أو الأقاليم المشمولة بالوصاية ، أن تعمل على تحقيق حق تقرير المصير وأن تحترم هذا الحق، وفقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة.
من الممكن أن يعد نشوء مبدأ تقرير المصير وتطوره تاريخياً ردة فعل ثورية على مفهوم الحق الإلهي devine right الذي قامت عليه أنظمة الحكم في العصور الوسطي، إذ كان إقليم الدولة وسكانه يعدان معاً ملكاً خاصاً للحاكم، الذي له بمقتضى سيادته المستمدة من حقه الإلهي أو ما يدعوه جان بودان: ( سوف فرنسي يعتبر صاحب نظرية السيادة ومن فلاسفة المذهب التجاري.
ولد في فرنسا 1530، هو قانوني وفيلسوف سياسي فرنسي، عضو برلمان باريس، وأستاذ القانون في تولوز. واشتهر لنظريته عن السيادة. ، وتوفي عام 1596)) . ويدعو ذلك الحق بأنه “السلطة السامية غير المقيدة بالقانون“ إذ يمارس سلطته عليهما معاً بصفته مالكاً شرعياً. فإذا تصرّف بجزء من الإقليم شمل تصرفه سكان ذلك الجزء الذي يرتبطون به ويخضعون لمصيره نفسه، ومع تطور الأوضاع ومرور الوقت، تولد رد الفعل على المفهوم الديني للدولة. فنمت وترعرعت فكرة أن السلطة إنما تكمن في الشعب الذي يتمتع بحق غير قابل للتصرف في تقرير شكل الحكم الذي يرغب فيه والدولة التي يود الانتماء إليها. وإذا كان الرجوع إلى مبدأ تقرير المصير قد استهل في العام 1526م فإنه لم يجد تطبيقه الفعلي إلا في بيان الاستقلال الأمريكي المعلن يوم 4 تموز1776م وبعدها في وثيقة حقوق الإنسان والمواطن لعام 1789م في فرنسا. وعندما حصلت المستعمرات الأسبانية والبرتغالية في أمريكا الجنوبية على استقلالها خلال المدة من 1810-1825م خشي الرئيس الأمريكي “مونرو “أن تلجأ الدول الأوربية إلى التدخل في شؤون دول أمريكا الجنوبية، فأصدر عام 1823 تصريحاً تضمن حق تلك الدول في تقرير المصير. كما تعهد تقديم الدعم الأدبي والعسكري لحكوماتها التي قامت استناداً إلى هذا المبدأ.
ثم بعد ذلك تطور حق تقرير المصير ليصبح حق جميع شعوب العالم في تقرير مصيرها ، فتتمسك به تلك الشعوب في خضم نضالها من أجل الاستقلال وتقرير مصيرها واختيار شكل الحكم فيها. كما أن كثيرا من كتّاب القانون الدولي المعاصر اعتبروا حق تقرير المصير من النظام العام الدولي تأكيدا علي أهميته، حيث ترسخ حق الشعوب في تقرير مصيرها كحق أساسي من حقوق الإنسان ، ومن هذا المنطلق أكدت القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة على ضرورة التمسك بحق تقرير المصير ، وأن يكون للشعوب الحرية في اختيار شكل الحكم التي تراه متلائما مع ظروفها ومجتمعها ، وأن للشعوب غير المستقلة أن تسعى وتناضل من اجل استقلالها وتحررها وأن تحكم نفسها بنفسها .
أن هذا الحق منح بداية للأمم أو الشعوب والقوميات التي أُجبرت على الخضوع لقوميات أخرى في مرحلة المد الاستعماري أو الإلحاق ألقسري أو ضمن مخططات المصالح الدولية ، وأن هذه الشعوب ترفض الخضوع وترغب بالحفاظ على هويتها وشخصيتها الوطنية، أو استعادة استقلالها الذي كانت تتمتع به، أو تحت ظل أية صيغة ترغبها وتريدها. وليس بالضرورة أن يكون حق تقرير المصير الانفصال أو الاستقلال ، حيث لكل مجموعة بشرية ظروفها وأنماط حياتها وتواريخها المشتركة، وهناك من الشعوب ما تختار الاستقلال التام، بينما لجأت جماعات أخرى الى اختيار الحكم الذاتي أو النظام الفيدرالي ،بينما فضلت أخرى البقاء تحت سيادة الدولة المركزية المسيطرة عليها برغبتها ورضاها. لطالما سمعنا الحكاية التي يتداولها عدد ممن يهتم بالشأن العراقي والتي تقول أن المتغيرات الدولية والسياسة العالمية لاتسمح للكورد أن يكون لهم دولة مستقلة، بل لن يكون لهم دولة مستقلة حتى في المستقبل، وتبريرهم بان الكورد مجتمعات مشتته على عدة دول.
ولكن ألم يسأل أحدنا الآخر: لماذا الكورد وحدهم من تحدد حقوقهم السياسة الدولية؟ وتمنعهم الدول الأخرى من الحصول على حقهم القانوني والطبيعي في الحياة وفقاً للمصالح والمتغيرات الدولية!! ولماذا الكورد وحدهم من لا يتمكن من التمتع بتلك الحقوق التي صارت تطبق على كل شعوب الأرض، وفقا لعهود وشرائع دولية، والتي أقرتها الشرائع وأكدت عليها اللوائح الإنسانية؟ ومتى كانت هذه المصالح والرغبات تحد من مطالبة الشعوب بحقوقها المشروعة؟ وهل يمكن أن نتعكز على هذه الأسباب في التخفي الشوفيني الرافض لأعطاء الكورد حقوقهم المشروعة والإقرار بها والتعاطف مع حقوقهم المشروعة؟ لا أعتقد أن أي صاحب وجدان وضمير حي لا يقر أن الكورد شعب لهم تاريخهم ولغتهم وكيانهم الخاص، وكما لا نعتقد أن أحدا من أصحاب الوجدان وممن يحترم الإنسان على الأقل لا يقر بأن الكورد شعب مثل باقي الشعوب ، لهم ما لكل شعب في العالم وحالهم حال الناس جميعا لا يكبرون عليهم مثلما لا يصغرون عنهم ، وأنهم شعب لهم أحلامهم وطموحهم وحقوقهم وواقعهم، وإنهم كانوا يسكنون على أرض موجودة على الكرة الأرضية ولم يأتوا من المجهول ولم ينزلوا من المريخ مطلقاً!! فإذا كانت هذه القواسم المشتركة في الإقرار بأن الشعب الكوردي له وجود وتاريخ ولغة خاصة وكيان، وهذا الوجود قديم قدم الإنسان الذي ظهر في كهوف نياندرتال في مناطق كوردستان، وتأريخ يسجل إنهم من الشعوب القديمة والموغلة في القدم في سكنها تلك الجبال، وإنهم مجتمع له خصوصيته في اللغة والتقاليد والأعراف والأديان، فأن كانت كل تلك الحقائق تدفع لمعرفة حقيقة ما للكورد من حقوق، علينا أن نقرأ الحقوق التي أكدت عليها الشرائع بإنصاف، كما يستلزم الأمر منا بعد ذلك التعرف على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان التي جسدها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والصادر بتاريخ 10 كانون الاول 1948 ، أي قبل أكثر من نصف قرن من الزمان، فلا نذهب بعيداً في التاريخ ونستغرق في الثوابت التاريخية والمتغيرات الجغرافية ، وبالرغم من مضي هذه المدة الطويلة في حياة الشعوب والأمم ، لم نزل لحد اللحظة نقف مكتوفي الأيدي وفاغري الأفواه تجاه قضية حقوق الأمة الكوردية فيختلف بعض منا ويتحاور من اجل الإقرار اوعدم الإقرار بحقوق الكورد، بالرغم من كل تلك الثوابت والحقائق.
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان صدر حين شعرت المنظومة البشرية أن للإنسان كرامة وحقوق يتساوى بها البشر بشكل ثابت دون اعتبار للقومية أو اللون أو الجنس أو الدين، ويشكل هذا النداء الدولي الأساس والدعامة للحرية والعدالة والسلام في كل أنحاء الكرة الأرضية، والأكراد ضمن تلك المنظومة البشرية تتساوى مع بقية شعوب الأرض، ويشكل النداء العالمي واجهة عريضة للتطبيق الإنساني للقانون في عملية الإقرار بحقوق شعب كوردستان. ويقينا إن التغييب المتعمد لحقائق التاريخ ، ومحاولات تشويه التاريخ ، ما يدفع لصحوة الضمير الإنساني نتيجة زمن مرير من الفقر والخوف والحروب والانتهاكات والظلم والطغيان والقمع والدكتاتورية، صحوة الضمير تلك نتيجة الاستعمار والمخططات الاستعمارية والتمزيق والمصالح الدولية والمعاهدات التي وضعت لتقسيم الناس، وانعدام الإقرار بالحقوق والاستغلال، وسيطرة أمة على أخرى تحت شتى المزاعم والحجج بالإضافة إلى تردي مستوى الحياة.
كل هذا وغيره كان الدافع الذاتي الذي دفع الأمم المتمدنة والتي تحترم الإنسان وتعتبر حياته وقيمته أكثر قدسية وقيمة من الأرض، دفعها الى أيجاد فهم مشترك لمعاني حقوق الإنسان وحق تقرير المصير والحرية من أوليات هذه الحقوق ، وبالتالي الالتفات إلى معالجة كل تلك الوسائل التي تريد تخريب الحياة الإنسانية وتشويه حقيقة الشعوب، فتجد أساليب تواجه تلك الوسائل.
وشكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان القانون الأعلى الواجب الإلزام في العصر الحديث، ليس فقط قانونياً وإنما يمتد لينسحب ضميريا الى الدول التي تعهدت عن قناعة بهذا الإلزام، وهذا الإعلان وأن كان إعلانا راسما للخطوط العامة لحقوق الإنسان التي أقرتها الشرائع قبله، فأن الإلزام الإنساني والقانوني يبقى طوعيا . وبالرغم من أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لم يكتشف أمور غير موجودة في الحياة البشرية ، إلا أن الإلزام الذي شكله في الإقرار بنصوصه التي تقر بمساواة الإنسان في كل مكان بالحقوق والكرامة، جاءت بنصوص منحت الحق القانوني للإنسان في التمتع بحقوقه دون تمييز بسبب العنصر أو اللغة أو الدين أو الجنس أو الفكر السياسي.
ومنح الإعلان لكل فرد دون تحديد الحق في الحياة والحرية وبالشكل الذي يتناسب مع تطلعه ورغباته، وما يتوفر للمواطن في نيكاراغوا أو الهند أو السودان من حقوق ينبغي أن يتوفر له في بنغلادش والسويد أو النمسا. وعلى هدى هذا الإعلان الواضح والصريح سارت العهود الدولية التي تقر بالحقوق المدنية والسياسية، بعد أن وجدت البشرية أن السبيل الوحيد لتحقيق المثل الأعلى المتمثل بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ان يكون البشر أحرارا ، وهذه الحرية لم تكن وليدة اليوم أو العصر الحديث فقد اعتمدتها الرسالة المحمدية وأكدتها الأديان السماوية وغير السماوية كلها، وجسدت تطبيقاتها الخلافة الراشدية، ولم تزل معياراً تعتمدها السلطات التي تحترم شعوبها وتلتزم بأسس الحياة الديمقراطية والدستورية، يضع محبي الإنسان ككيان بشري والحرية كمبدأ في جانب يتعارض مع الجانب الذي لم يزل حتى اليوم ينظر الى الناس وفقاً لألوانهم وقومياتهم ولغاتهم، لذا فقد أقرت الدول جميعها (لجميع الشعوب) حق تقرير مصيرها بنفسها، وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي والقانوني، وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
وأذا كان حق تقرير المصير أساسا قائما ومحترما من تلك المجموعة البشرية وهي الأكبر ، فيكون الكورد من الشعوب التي يمكن لها أن تقرر مصيرها وفقا لهذه القوانين الشرعية والقانونية والدولية والدستورية.
وأن لجميع الشعوب أن تسعى وراء أهدافها الخاصة، وان تتصرف بثرواتها ومواردها الطبيعية، ومن المهم أن نذكر أن الاتفاقيات الدولية القانونية ركزت على أن على (الدول الأطراف ) بما فيها التي تقع على عاتقها مسؤولية إدارة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي والأقاليم المشمولة بالوصاية، أن تعمل على تحقيق حق تقرير المصير وأن تحترم هذا الحق وفقاً لأحكام مواثيق الأمم المتحدة. وتعهدت جميع الدول باحترام هذا الحق وبكفالة الحقوق للشعوب الموجودة تحت ولايتها دون اي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي. وأن تتعهد جميع الدول إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لاتكفل فعلاً أعمال الحقوق المعترف بها، بأن تتخذ طبقاً لإجراءاتها الدستورية والأحكام ما يكون ضرورياً لهذه الأعمال من تدابير تشريعية وغير تشريعية.
وبهذا آمنت الإنسانية متجسدة في إعلان حق تقرير المصير ومنح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة ، مهما كان شكل الهيمنة أو عدم الاستقلال، بأن لجميع الشعوب حقاً ثابتاً في الحرية العامة، وفي ممارسة سيادتها وفي سلامة ترابها الوطني، بل لا يجوز اتخاذ ذريعة نقص الاستعداد في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو التعليمي ذريعة أو سبباً لتأخير منح الاستقلال.
وعلى هذا الأساس نجد انه من الطبيعي أن يكون مبدأ حق تقرير المصير في القانون الدولي يعطي الأمم والشعوب الحق والشرعية في اختيار أنماطها السياسية والفكرية والحضارية، وهكذا فقد أصبح واضحا أن لتلك الشعوب الحق في الاعتماد على وسائلها المتاحة، من أجل إرغام القوى المستعمرة على الإقرار بحقها المكفول لها بموجب ذلك الميثاق والمباديء العامة للحقوق، ويدخل في سياق هذه الوسائل (وسيلة القوة والكفاح المسلح)، وأن لجوء الشعوب ألاستناد الى القوة، سواء للدفاع عن نفسها أو لإرغام السلطة القامعةعلى الرضوخ للمباديء العامة للعدالة والحق والقرارات الدولية، يعتبر لجوءا قانونيا ومشروعا.
أن حق تقرير المصير هو مبدأ سياسي يقوم على أساس ((حق الشعوب المضطهدة في تقرير مصيرها أي التحرر من الاستعمار والسيطرة وتأسيس دولة مستقلة ذات كيان سياسي مستقل)) ذلك لان الشعوب متساوية في الحقوق، ويشمل حق تقرير المصير الشعب الكوردي لتوفر جميع مستلزمات هذا المبدأ فيه.
فإذا كان للشعب الكوردي حق تقرير المصير بمقتضى مباديء العدالة وبمقتضى القرارات والقوانين الدولية وإذا كانت تطلعات الشعب الكوردي تتجسد في تطلعه المشروع لاستقلاله وتوحيد أجزاء كوردستان المبعثرة تحت سيطرة العديد من السلطات التي لا تعترف بحق الشعب الكوردي في حقه بالاستقلال وأية حقوق مشروعة أخرى، فيكون من حق الشعب الكوردي أن يتمسك بهذا الحق ويدافع عنه بالوسائل التي أوردها الميثاق.
نقف هنا في موقف الاختيار أما ألإقرار للشعب الكوردي بحقه في اختيار حريته واستقلاله، وهذا ما يتطابق مع القوانين والقرارات الدولية، أو أن نقف موقف الرافض لهذه الحقوق ورفض تطبيق القرارات الدولية تحت شتى المزاعم والحجج والتبريرات، مما يجعلنا ليس فقط نتجنى على شعب آخر بإرغامه على البقاء تحت سيطرة وسطوة قومية أخرى، بل الأمر يتعدى ذلك الى رفضنا للمبادي ء العامة للعدالة ولائحة حقوق الإنسان، مما يجعلنا خارج السياق الإنساني والتطلع المدني للحياة الإنسانية وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
كما إننا إذا اعتقدنا بحق الشعوب في تقرير مصيرها، فإننا نقر حتما بحق الشعب الكوردي في الاختيار ، وهذا الحق لم يكن سببه أو الحصول عليه بسبب موقف سياسي من مواقف الأقطاب الكبيرة في السياسة الدولية، أو رؤوس المصالح الدولية، فلم ينتظر الشعب الكوردي من أحد ليطلب منه الحقوق، بدليل أنه لم يستشر احد حين قرر المواطن الكوردي الالتحام بقيادته ولبى نداء أحزابه، ورفع السلاح بوجه السلطات التي تنكر عليه حقوقه، معرضا حياة أبناءه للخطر، مع إن اللافت للنظر في توحد صوت الشعب الكوردي للمطالبة بحقه الأساس في الحياة، ولم ينتظر الشعب الكوردي أمراً دولياً أو قرارا ليبدأ يطالب بهذا الحق، ولم ينتظر الشعب الكوردي أمرا من دولة عظمى ليدافع عن حقه وكرامته.
الحقيقة إن ما تعرضت له الأمة الكوردية يكاد يتشابه مع ما تعرضت له الأمة العربية، فكلاهما تم تقسيم أوصاله، وكلاهما تم تشريد أبناءه، ولكن الغريب أن تجد من أبناء الأمة العربية من ينكر هذا الحق على الأمة الكوردية دون غيرها من ألأمم .
ومثلما بقي الحلم العربي في التوحد يراود الكثير العرب، بقي حلم التوحد الكوردي أملا يراود الكورد، وهو حق مشروع تسعى له الشعوب بإرادتها واختيارها. وهذه الشعوب إذا أرادت حريتها واستقلالها فلا تطلبه من احد بطلب تتقدم به بانتظار الموافقة ، وإنما يتم الحصول عليه وتحقيقه بنتيجة النضال والتضحيات والتلاحم ، وهو ما أقدمت عليه الجماهير الكوردية التي صبغت صخور جبال كوردستان بالدم والبسالة والصمود حتى انتهت سلطة الدكتاتورية 2003 ليقروا التزامهم باختيار الاتحاد ضمن جمهورية اتحادية نظام الحكم فيها جمهوري برلماني ديمقراطي ، وان يقر الدستور عند نفاذه إقليم كوردستان وسلطاته القائمة أقليما اتحاديا ، وان يحدد ضمن المواد ( 112و 114 و 115 و 121 ) من الدستور الصلاحيات التي يمارسها الإقليم .
من الناحية الدستورية ينبغي ان يكون هناك كيان معترف به أولا قبل أن يتوحد مع الكيان الآخر ليشكلا كياناً موحداً قائما بذاته ، ويتمتع باستقلالية عنهما ، بمعنى أنه لو تم فرط العلاقة العقدية ينبغي ان يعاد الحال الى ما كان عليه ، ولهذا حين يتم وفق النظرة التي تقول باستعادة كل مركز قانوني لوضعه ينبغي ان يكون لشعب كوردستان مركز قانوني يؤهله لأن يعقد مع المركز القانوني العربي والتركماني خيار الفيدرالية ، حتى يمكن أن تكون هناك موازنة دستورية وتكافؤ قانوني في المراكز أولا، وحتى يمكن ان تكون قاعدة دستورية يتمتع بها كلا المركزين .
أذ من غير المنطقي أن يعود أحد المراكز الى موقعه وقاعدته الدستورية ويبقى الآخر سائباً أو يبحث عن مركز قانوني يؤسسه بعد هذا الانحلال ، كما أن فقهاء القانون لا يقبلون بقاء أحد الأطراف دون قاعدة دستورية ، لأن الفيدرالية توحيد لمركزين قانونيين .
الفيدرالية تعني الإتحاد الطوعي بين ولايات أو دول أو أقوام تختلف قوميا أو عرقيا أو ديانة أو لغة أو ثقافة حيث يصبح كيان واحد او نظام سياسي واحد مع احتفاظ هذه الأجزاء المكونة للكيان المتحد بخصوصيتها وهويتها وتفوض الكيان المركزي بالبعض من الصلاحيات المشتركة مع الاحتفاظ ببعض الصلاحيات لهذه الأجزاء .
ومن سياق التعريف المستل من عدة تعاريف قانونية ودستورية للفيدرالية نستطيع أن نستدل على عمودين تستند عليها مقومات الفيدرالية ، اولهما أنها خيار طوعي تلجأ إليه هذه الكيانات طواعية باختيارها وهو ما صار إليه الحال في العراق ، وثانيا انه يوجب علينا أن نقر بوجود كيانات تلجأ الى الفيدرالية ، وهذه الكيانات لها أثر من القوانين والدساتير والوجود الملموس ، تحت توحد الدولة العراقية الديمقراطية والفيدرالية .
فلاصوت يعلو فوق صوت الشعوب ، ولاصوت يعلو فوق صوت الحق .
ونكرر أننا إذا اعتقدنا بحق الكورد في تقرير مصيرهم ، وبأن لهم الحق في إقامة جمهورية كوردستان على اي جزء من اجزاء كوردستان المتشظية ، تحت نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق والعهود الدولية ، وأن الإنسانية لم تزل تقر بهذه الحقوق وتحميها ، وتعمل منظماتها الدولية ومجالسها على تحقيق هذا الهدف النبيل والسامي ، لذا فان إجراء الاستفتاء أصلا لا مبرر له الا في حال اختيار الظروف الذاتية والموضوعية المناسبة لإقامة الدولة الكوردية والانسحاب من الاتحاد العراقي الطوعي وفق الأسباب والظروف التي دفعت بهذا الاتجاه ، باعتبار أن الحق لا يستفتى فيه ولايتم طلب أراء لانتزاعه وتحقيقه .
وإزاء تطلعات الكورد اليوم وهم يتمسكون بالبقاء ضمن الوحدة العراقية ، مع تمسكهم بمنحهم الفيدرالية ، فأنهم ضمن نصوص الدستور العراقي الذي اشتركوا بوضعه والاستفتاء عليه ، يتمسكون بالمحافظة على وحدة العراق وسيادته وسلامته واستقلاله ونظامه الديمقراطي الاتحادي ، وعلى هذا ألأساس فأنهم متساوين أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو القومية أو العرق أو الأصل أو اللون أو الدين او المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاجتماعي والاقتصادي ، وعليه فأنهم يتساوون اليوم في تكافؤ الفرص المكفولة لجميع العراقيين .
ويتوجب علينا ان نترجم حقاً قضية الشراكة الحقيقية ، ونجسد المباديء العراقية الوطنية التي طالما ناضل في سبيلها العرب والاكراد والتركمان والكلدان والآشوريين والسريان والارمن ، من أن العراقيين يتساوون أمام القانون دون تمييز بسبب القومية أو الدين أو المذهب ، وان تكافؤ الفرص حق يكفله الدستور لكل العراقيين .
يتوجب علينا ان نسعى لتكسير الآمال الشوفينية والعنصرية المقيتة التي زرعتها سلطات ومؤسسات ، منها من حكم العراق فترة من الزمن المقيت ، ومنها لم يزل يردح مزروعا في بعض العقول تحت شتى الشعارات والستائر والمزاعم ، وبزعم الدفاع عن القومية .
الشراكة تعني أن نعمل معا من اجل العراق ، وأن تتوزع ثرواته بعدالة وإنصاف ، وأن نجعل العراق حاضراً ومستقبلاً ، وحدة ومنهجاً تعبيراً عن توحدنا الإنساني ، وعن شراكتنا الحقيقية في الحياة .
وأمام الاستفتاء الذي ستجريه السلطات في الإقليم يتطلب الأمر شيئا من الحكمة وإعمال العقل في مواقف وقرارات القيادات العراقية العربية منها أو الكوردية ، وان نجسد المعاني الحقيقية للدستور ، ونطبق بأمانة أن المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات ، وأن لا حواجز قومية أو دينية أو مذهبية في العراق فقد رحل زمن الشوفينية والتعصب القومي أو الديني ، فلنا ضوابط دستورية تحكم أفعالنا وحقوقنا ، ولدينا محاكم دستورية تحكم بيننا عند الاختلاف في التطبيق أو شعورنا بالحيف .
الاستفتاء لايعني الانفصال عن العراق مطلقا وأن كان خطوة تجسد المطالبة بحق ، فعلى الجانب العربي أن يحاور الشريك في هذه المرحلة ، وان يذلل المصاعب والإشكالات التي ولدتها الفترة السابقة ، وان نضع أمامنا حقيقة التنوع العراقي ، وان نعمل سوية على تقويم نصوص الدستور التي تجاهلنا العديد منها ، والتي مضى عليها الزمن واندثرت ، وان يكون تكافؤ الفرص وأسلوب توزيع الثروة العادل لكل المكونات العراقية قوميا او دينيا بما يمكن ان يحفظ للعراق مبادئه الأساسية كدولة اتحادية .