في زمن الدكتاتورية كان اغلب الكتاب في العراق يعيش تحت هاجس الخوف من سطوة وظلم صدام، فيلجأ منهم الى الأنزواء والأنصراف الى معيشته، كما يلجأ البعض الى استخدام اللغة المزدوجة والمبطنة التي تتيح له التعبير دون أن يقع ضمن المسؤولية، وكانت الخشية من ان تصل مخالب وأنياب المخابرات العراقية حتى الى البيوت والملاذات خارج العراق، ولهذا فقد كانت الأصوات الإعلامية المعارضة متواضعة وجريئة تناطح جدران المؤسسة الأمنية والإعلامية والمخابراتية التي وظفت ليس فقط طواقم السفارات العراقية خارج العراق، ولا الفضائيات والصحف العربية إنما وظفت عراقيين ضمن تجمعات وجمعيات تحت شتى الذرائع والحجج والتبريرات، ولعل جمعيات المغتربين مثالا واحدا على تلك التجمعات التي كانت تترصد بالعراقيين المعارضين لنظام القمع والطغيان في بغداد لتتابعهم وترفع عنهم التقارير، وبقيت تلك الأسماء الإعلامية المعارضة تتألق وترتفع في قلوب أصحاب الضمائر من أهل العراق، وكان لها الدور المتميز والمثابر إعلاميا وسياسيا، وبعد سقوط الدكتاتور في نيسان 2003، تم التزاحم على المناصب والكراسي، وفي زحمة اللهاث والركض وراء منصب أو موقع، تمكن العديد ممن كان يخفي رأسه بالرمال، وممن كان يفضل العزلة والاختباء ان يحصل له على موقع او منصب في العراق الجديد، وليس غريبا على بلد يعج بالمتناقضات والغرائب وينتشر فيه الفساد والخراب، ويجد الإرهاب له مكانا ليستمر بقتل الناس، ليس غريبا أن تتم مكافأة من وقف ضد العراق وأهله ونكل بالشرفاء منهم، ومن كان مطية للفضائيات المعادية للعراق الجديد أن يكون له موقعا ومكانة لايمكن أن يستحقها.
الوفاء جزء من الفضائل التي يجب ان يتحلى بها البشر وهو جزء من الخصال التي ينبغي ان يتمسك بها أصحاب الضمائر النقية، والوفاء لكل من وقف بشجاعة وصدق مع العراق موقف لابد ان يكون حاضرا، ومن لا يتذكر هذه الأسماء يكون الوفاء قد غادر حياته وفقد للأسف جزء مهم من كينونته كانسان.
ومن لا يتذكر تلك المواقف النبيلة والشجاعة لابد أن يشارك في إنهاء الخلل الذي يكتسح العراق اليوم، ولعلنا ونحن نسرد عدد مميز من تلك الأسماء أن نفي بجزء من حقهم أو نلفت انتباه السادة في السلطة أن يعيدوا قراءة المشهد والأسماء والأدوار التي أدوها فيستعيدوا جزء من الوفاء المفترض.
من بين هذه الأسماء:
1.الإعلامي العراقي المعروف سامي فرج علي: كان شجاعا في طرحه ومواقفه من أجل إسقاط الدكتاتور، و يظهر على شاشة قناة (أي أن أن) ليشد الناس والمشاهدين من العراقيين، كما كان يكتب المقالات السياسية في الصحف العربية والعراقية، وأشتهر بصوته الجهوري وبصراحته، وتحمل وزر تلك المواقف هو وعائلته الكثير، وتمكنت المخابرات العراقية ان تحاربه حتى في بريطانيا، وأدى الشخص المذكور مهمته الإعلامية بجرأة وشجاعة عراقية نادرة في زمن شحت فيه المواقف والكتابات المعارضة، وبعد التغيير لم يعد احد يتذكره مطلقا، وبقي في بريطانيا دون ان يتم تكريمه أو أنصافه.
2.ألأعلامي الدكتور هشام الديوان: العراقي البصري المتسم بالطيبة والشفافية، والشجاع الذي كان يطرح برامجه وموضوعاته السياسية بصدق وبساطة ضمن البرامج التي كان يقدمها في قناة اي ان ان او من على شاشة قناة الفيحاء، وكان بالإضافة الى ذلك يرأس تحرير مجلة أخبار العرب واحتل قلوب المشاهدين قبل وبعد سقوط النظام الدكتاتوري، وبقي اسمه في ذاكرة العراقيين، لكنه انزوى لا يزاحم اللاهثين على مناصبهم ومكاسبهم معتزا بكرامته وأسمه وتاريخه.
3.الدكتور نبيل ياسين: صوت عراقي متميز وشجاع قدم العديد من البرامج التلفزيونية قبل سقوط صدام ضمن قناة أم بي سي وقناة أي أن أن في برنامج ( المقهى الثقافي)، واستضاف العشرات من المعارضين والسياسيين، بالإضافة إلى نتاجه الثقافي في الشعر والسياسة والقصة، تميز بالصراحة والشجاعة والنقد الهادف والبناء.
4.كريم بدر الحمداني: الصوت العراقي الشجاع والمحاور الذكي والصريح، والمعارض الواضح الذي ضحى بنفسه وعائلته فرفع السلاح ضمن انتفاضة العراقيين في العام 1991 بعد مقاومة شجاعة ضد القوات الصدامية والتحق لاجئا في مخيم رفحاء، لينتقل بعدها الى هولندا التي درس فيها وعمل، إلا أن العراق بقي هاجسه وأمله فدافع عنه في جميع اللقاءات، وانتصر للحق ضد الباطل ونازل الأصوات والشخصيات التي تريد السوء بالعراق فأسكتها، دون أن يحصل حتى على حقوقه المشروعة، ودون أن يتنافس مع اللاهثين وراء المناصب والمكاسب.
يعكس بصدق مشاعر العراقيين وصدق المواطنة ويستل المعاناة والألم العراقي من بين ركام الواقع فيبقى صوتا عراقيا صادقا ونظيفا، لم تتم إعادة حقوقه القانونية المشروعة حتى اليوم، أسس المركز الأوربي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ويتمتع بإمكانيات تحليلية ودراسات عميقة وعلمية تنم عن ثقافة وقدرة مؤسساتنا الأمنية بحاجة ماسةأليها.