تتقاسم قوات الجيش والشرطة الاتحادية مع قوات البيشمركة الأبطال شرف المشاركة في تحرير مدينة الموصل، كما تتشارك القوات المذكورة بزفافها أعداد من الشهداء الذين قدمتهم قرابين لتحرير المدينة العزيزة التي ضمت بين جوانحها العرب والكورد والتركمان والمسيحيين والمسلمين والأيزيديين، المدينة التي اتسمت بطيبة وكرم أهلها قبل أن تتسم بجمالها وطبيعتها الخلابة، الموصل التي تنام وتسرح شعرها على جوانب دجلة وهو ينساب بغنج فوق صدرها فيقسمها إلى قسمين.
وفي اللحظات التي تتقدم هذه القوات كل وفق الخطة والمهمة التي أسندت إليه، ليكملها ويطالب بمهمة أخرى ، ليختزل الزمن ويختصر المسافة، فأن الكل يتشوق إلى تطهير الموصل من رجس الإرهاب والأجرام والإغراب المتخلفين، في هذه اللحظة يخيب أمل المتصيدين في الماء العكر.
تتقدم القوات العراقية ضمن أراضي الإقليم أو خارجه، وتتقدم معها قوات البيشمركة المساندة، الهدف واحد مشترك، والغاية ستكون واحدة، لم تظهر أي بادرة تسمح لتلك العقول التي بنت أمالا على خلافات أو تقاطع أو اختلافات تباعد الأخوة وتضعف تلك العلاقة المتينة التي تربط بإحكام بين مكونات العراق القومية والدينية والمذهبية. وفي الزمن الصعب تبان المواقف الشجاعة، ويظهر معدن الرجال، جميع من يقاتل من اجل أن يستعيد العراق لحمته ووحدته وسيادته التي فرط بها الخائبون، وجميع من يرفع السلاح لمنازلة الدواعش تطفو عليه نزعة الحفاظ على الناس، وصيانة كرامتهم وتطهير الوطن، وطرد من استباحوا هذه المدينة، وحين ترتفع الأرواح قرابين إلى الله عز وجل، لتسجل الشهادة بفخر فأنها تركن القومية والدين والمذهب على الأرض فلا يرتفع معها سوى الروح.
معركة واحدة وقيادة مشتركة ومخطط واحد، ومهمات تتوزع على هذه الفصائل التي تستعيد هيبة العراق، وتعيد كتابة التاريخ بما يليق بالعراق، وتعيد لنا نحن من يتابع الأحداث الثقة بشجاعة الجندي وبطولة المقاتل البيشمركة وقوة الأجهزة الأمنية المساندة، وجميع هذه الفصائل يتقدم وهو يزحف يرمي العدو بسيول من النيران التي تصليهم في الدنيا قبل أن تحرقهم نار جهنم في الآخرة، وهم يبشرون القتلة بالموت الزؤام، فيرموهم بحجارة من سجيل، وماهي إلا أيام وتنكشف الغمامة وترحل السحب الداكنة لنستعيد نقاء هوائنا وبساطة أيامنا ووحدتنا التي كنا نتفاخر بها، أيام كان العراقي يتحمل السجون والمطاردة والفصل من الوظيفة من اجل أن يرتفع شعار (الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكوردستان) الذي يطالب به الجميع، وحين وقفت تلك الجموع العربية المناضلة أمام المجالس العرفية والمحاكم من أجل أن (توقف قتال جيوش السلطة الجائر ضد الشعب الكوردي في العراق)، تلك الوقفات تستعيد أيامها اليوم.
بهذا النزال والموقف الواحد المتماسك تفشل كل المخططات الخبيثة، وتسقط كل تلك المراهنات البائسة، التحم الإقليم بالحكومة الاتحادية باعتباره جزء من النظام الاتحادي في العراق، ولم يكن الإقليم وقواته المسلحة وقوى الأمن إلا جزء من منظومة التحرير التي حررت قرى ومدن عربية وقصبات خارج حدودها، وبالرغم من كل التخرصات والتمنيات المريضة لبث الشقاق وإشعال نيران الفتنة التي حاول بعض ضعاف الضمائر اللعب بها، فقد ظهر إن تلك الاختلافات تذللها المباحثات والحوار، وينهيها اللقاء والتشاور، ولايمكن أن تعود تلك الأيام البائسة التي يتمنون عودتها، مع كل ما تحمله من ويلات وخسارة وحزن، فمثل تلك النماذج تعيش على مثل هذه الصفحات الصفراء، غير أن الرصاص العربي والكوردي والتركماني انطلق واحدا بصدر العدو، ومنذرا لكل من يقف بطريق الانتصار والتحرير، وستجد اختباء هذه النماذج وصمتها صمت القبور حتى يتم التحرير لتعاود الصراخ.
نحن نعيش في زمن الدولة الاتحادية، فلم يعد للقائد الأوحد ولا للحزب القائد مجال في هذه الدولة، الدولة الاتحادية دولة الحقوق المدنية والسياسية، ويتساوى فيها العراقيون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو القومية أو العرق أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي، واليوم أختلط الدم النقي في المعركة، كان دما واحدا فلم نفرز دماء العربي من الكوردي ومن التركماني، اختلط الدم مع دماء أبناء الموصل ممن قدموا أرواحهم قرابين ضد داعش وجيش الهمج الرعاع المتخلف، لم يكن هناك مكان للاختلاف أو الأحقاد أو الفرقة، فقد خط الرجال بدمهم على جدران الزمن عملية تحرير الموصل بتكاتف عراقي متنوع، وهم يحملون راية الحرية والتحرير، وهم من جعل جميع العراقيين مزهوين بفرح غامر، وتوحد عميق، وعودة إلى الماضي الذي لم يندثر من تاريخ هذا العراق، فقد أعادوا لنا كرامتنا وعزنا وشرفنا المثلوم.
بدأت المعركة بتوحد عراقي وستنتهي بموقف عراقي، شارك بتسجيله الجميع دون استثناء، ولا مجال للمزايدة، كما لا مجال للطوائف والمزاعم والتباهي بغير ما صار على ارض الواقع، تعانق الشهداء وامتزج الدم العربي والكوردي والتركماني، تجاوز كل سنين الماضي العجاف حين يتقاتل الأخوة، ويسفح الدم كل في جبهته، وسيدرك أهل السياسة أين هم يقفون اليوم من هذه المعركة، وما المطلوب منهم، وكيف سيتلمسون الحق والحقوق بضمائر عراقية صادقة، وكيف يتعلمون أنهم لا يمثلون أنفسهم ولا طوائفهم ولا قومياتهم .
بهمة الغيارى من أبناء هذا العراق تحرر الوطن كله، علينا سوية تنظيف الأرض والمدن من بقاياهم، وعلينا التخلص من مخلفاتهم، لنستعيد وطننا وحياتنا ووحدتنا، لنستعيد حلمنا في الوطن المتحرر، وان يدرك كل أهل السياسة بأن مظلة العراق لايمكن أن تغطيها عباءة حزب لوحده أو قومية لوحدها أو طائفة واحدة من الطوائف، فالعراق للجميع، وهو يستعيد بناء روحه التي تهدم جزء كبير منها، وانتم ونحن جميعا من يساهم بهذا البناء، بالمحبة والتسامح والتآخي والمشاركة في ترميم ما تهدم، فقد واجهناهم مجتمعين وسددنا لهم حجارة من سجيل، وجعلناهم كعصف مأكول، فلنواجه البناء بجمعتنا وتكاتفنا واستفادتنا من الزمن الذي ضاع من أعمارنا.