يفترض في كل قضية تهم الشعب العراقي ان يتم عرضها بشكل شفاف وصريح وواضح امام الناس، وان تعرض من قبل المسؤول بشكل صادق ودقيق، كما يفترض وهذا الافتراض على الحكومات التي تحترم شعبها وتحرص على صدق عملها وسعيها الدائم للوصول الى الحقيقة، حرصها الوطني ومسؤوليتها على المال العام، يفترض ان تكون الحكومة وبواسطة القضاء العراقي أن تتوصل الى نتائج مقنعة في كل قضية، وخصوصا قضايا الفساد المالي التي تنخر الجسد العراقي اليوم، وان تكون نتائج التحقيق واضحة وصريحة.
وقضايا الفساد المالي ليس بالضرورة ان تختص بالاختلاسات والرشى والعمولات التي يتقاضاها الموظف المسؤول مهما كانت درجته او منصبه، وقضايا الفساد ليست بالضرورة ان تختص بقضايا تسهيل وتمرير الصفقات التجارية التي تحدث ضررا بليغا او نسبيا بالمال العام وبشعب العراق باعتباره كما يفترض صاحب المصلحة الحقيقية لهذا المال العام، فمعالجة الفساد كظاهرة مرضية تنخر جسد البلد أمر ينبغي دراسته والتعمق في معرفة اسبابه وإيجاد الوسائل العلمية والعملية لمكافحته واستئصاله من جذور المجتمع كمرض من امراضه الفتاكة.
فالسرقات التي حدثت في مصارف العراق، وعملية احتلال البنك المركزي بقوة عسكرية واستشهاد عدد من الجنود الحراس، ومن ثم في تحويل ساحة وبناية البنك المركزي الى ساحة معركة وقتال في وضح النهار، انتهت دون ان نتعرف على الجهة التي قادت هذه المعركة، وخططت لهذا العمل، ومن ثم من هم المهاجمون الذين تم قتل اعداد منهم في ساحة البنك المركزي، وماهي توجهاتهم وقصدهم من هذه المعركة التي جرت في وضح النهار ووسط مدينة بغداد، ومن هو المسؤول عن كل هذا؟
قضية سرقة مصرف مدينة المشخاب، حيث تمكن الجناة من قتل الحراس داخل بناية المصرف بعد تخديرهم، ومن ثم قيامهم بإحضار معدات اللحيم بالأوكسجين واجهزة تقنية أخرى تمكنوا معها من فتح الغرفة الحصينة الموجودة داخل بناية المصرف، ونقلوا بأكياس كبيرة مليارات الدنانير العراقية بسيارات اعدت خصيصا لهذا الغرض، وغادروا مدينة المشخاب مرورا بعشرات من نقاط التفتيش التي لابد وان لاحظت هذا الكدس الغريب من الأكياس الممتلئة بالأوراق النقدية المختلفة، دون ان يتم ايقافها او السؤال منها عن هذه الاموال، وعبرت هذه الأكياس بالسيارات من المشخاب الى مدينة النجف ثم الى كربلاء ومنها الى حدود محافظة بابل ومنها الى بغداد ولم تكن ترتدي طاقية الإخفاء مطلقا! قضية سرقة بنك في منطقة المنصور ببغداد من قبل مجموعة من العسكريين أو ممن يرتدون الزى العسكري، تم القبض على عدد منهم وتم اختزال اعترافاتهم واختفت القضية كأخواتها!! قضية سرقة مصرف (الزوية) الشهير، حيث تم قتل جميع حراس المصرف داخل المصرف بطريقة اجرامية بشعة، ومن ثم سرقة الغرفة الحصينة دون كسر او تفجير!! مما يوحي ان عناصر من داخل المصرف تعاونت مع القتلة، ومن ثم نقل الأموال الى مكان يمر عبر عدد من نقاط التفتيش التي اثبتت التجربة أن لا فائدة ترجى منها سوى مساهمتها في الاستمرار بتطويع العقل العراقي للرضوخ الى التفتيش والمراقبة وان يتقبل الأوامر مهما كانت غير منطقية او مقبولة، ويترتب على المواطن ان يتقبل ما تقرره الحكومة دون ان يحق له الاعتراض او الرفض، وبعكسه فأنه سيكون عرضة للمسؤولية القانونية وعليك ان تفهم حجم المسؤولية القانونية التي تتركب فوق راسه.
قضية اختلاس الموظفة (زينة) في امانة بغداد لمليارات الدنانير العراقية التي لا يمكن لعاقل ان يصدق انها اختلستها لوحدها، وماهي طريقة تحويلها القانونية للأموال الى خارج العراق وباسمها واسم عائلتها؟
ومن هي الجهة أو الشخصيات التي شاركتها ومهدت لها الطريق وسهلت لها الوسائل، كما لا يمكن لعاقل ان يتقبل ان يكون التحقيق مقتصرا على هذه الموظفة لتتحمل لوحدها الحكم القضائي ويتم غلق القضية بسرعة وسرية تامة، وكيف يمكن ان يتم القبض عليها من قبل الإنتربول (الشرطة الدولية) دون غيرها من المتهمين او المحكومين في مثل قضاياها وأين انتهت قضية وزراء الكهرباء المتهمين بقضايا الفساد الذين تعاقبوا على الوزارة، ولا تم التعرف على حقيقة الفساد في وزارة التجارة وما قيل عن علاقة الوزير عبد الفلاح السوداني بذلك. كما ان المتهمة (زينة) صرحت حال وصولها الى مطار بغداد مقبوضا عليها بانها ستكشف عن اسماء المسؤولين المشتركين معها في عملية الاختلاس، كما صرح ايضا رئيس هيئة النزاهة قائلا: قد يكون هناك مسؤولون كبار وموظفون قد ساعدوا زينة على اختلاس المبلغ"، مشيرا الى أن "التحقيق سيكشف عن جميع المسؤولين عن عملية اختلاس الاموال.
ولم يكشف التحقيق هذه الجهة المهمة ولم يتم اعلان الاسماء حيث تم تركيب كل الفعل براس زينة لوحدها فأدينت وحكمت لوحدها وبقي غيرها خارج إطار اللعبة على امل ان يتم ايجاد مخرج لها.
ومن ملف صفقة الأسلحة البولندية التي اتهم بها وزير الدفاع الاسبق حازم الشعلان ومعه زياد القطان وعدد آخر من المتهمين، مرورا بالاختلاسات التي نسبت الى مشعان الجبوري، ومرورا بصفقة الأسلحة الروسية التي تشعب الاتهام وتعددت اسماء المشاركين، وما عاد نعرف بمن نصدق من المسؤولين ونحن امام التصريحات المتضاربة والمتناقضة للمسؤولين، بحيث ما عاد المواطن العراقي يعرف اين الحقيقة؟
ومن ملفات العقود الوهمية التي تعقدها بعض الوزارات بواسطة بعض من مسؤوليها، فلم يتعرف المواطن العراقي على حقيقة تلك الحقائق ومن هم ابطالها، وما ان تظهر بعض روائح تلك الفضائح حتى يتم اخمادها وتناسيها بتغليب قضية اكبر منها عليها حتى يمكن طمرها ومسحها من ذاكرة المواطن العراقي. لم نتعرف حتى اليوم على حقيقة الحرائق الوهمية التي تحدث بين فترة وأخرى في مكاتب الحسابات المالية في الوزارات حصرا دون غيرها من الأقسام، ولماذا يتم تحميل التماس الكهربائي لوحده اسباب هذا الفعل!!
ولم نتعرف عن حقيقة ما يشاع في الشارع العراق عن اختفاء ملفات ووثائق كثيرة تتعلق بتعاملات البنك المركزي والمصارف، حيث أن الملفات تفضح مخالفات وعمليات فساد مالي واستغلال للأموال المودعة والتحويلات.
ملف احتلال الموصل ضاع بين اروقة اللجان والتستر على اسماء من شملهم التحقيق، وقبله تم تركيب ملف جريمة سبايكر على عدد من المتهمين بارتكاب الجريمة واغلق التحقيق دون ان يطال الجناة الحقييقيين. الحقيقة المرة التي يتجرعها المواطن العراقي في هدر اموال العراق وسرقتها في وضح النهار دون ردع او وسائل تساهم في كشف الحقائق وتوقع العقوبة المتناسبة مع حجم الجريمة ومسؤولية الجناة، الحقيقة المرة أن طرق ووسائل الفساد مستمرة لم تتوقف ولن تتوقف مادامت الملفات تختفي لتسهيل امر استمرار السرقات والاختلاسات، بالإضافة الى بروز حالة التدني في القيم والأخلاق مما يشكل ظاهرة بالغة الخطورة في مجتمعنا لايمكن للدولة لوحدها أن تقضي عليها، ما لم تكن هناك مساهمة اجتماعية عامة يشارك بها كل ذوي الاختصاص ومنظمات المجتمع المدني لتدارك الانهيار الاجتماعي في تفشي هذه الظاهرة المرضية والعمل على ايقاف الفوضى الحاصلة في التساهل والتراخي في التصدي للمنحرفين ابطال تلك العمليات والسرقات، والمساهمة بشكل مباشر أو غير مباشر في إنهاء قضاياهم وإخفاء ملفاتهم.