بعض العناصر التي تلتحق بتنظيم إرهابي مثل داعش تحير العقل، فقد ينبهر بعض الشباب من المغرر بهم متوهمين الالتحاق بدولة حقيقية بأسم الدين، وقد تنطلي الأيديولوجيات المتطرفة على بعض فيشد الرحال ليقع في المصيدة، من يدخل داعش لا يخرج منها، ومن يرتد عن التحاقه ويحاول الهروب من داعش تتم تصفيته جسديا، وقد يقع بعض الشباب فريسة غرائزهم الجنسية والمادية فيتوهمون بأنهم سيشبعون أرواحهم، وثمة أسباب أخرى، لكن أن يتناقض بعض الناس مع واقعهم، ويتعارضوا مع موجبات حياتهم وينضم إلى داعش تاركا تلك الموجبات أو الواقع، أن يغيب العقل تماما عند بعض الناس.
فالأمر يدعو للتأمل والتفكير المشوب بالحسرة والحزن الى ما أل إليه واقعنا المر. الشبكات الإرهابية المدعومة ماديا تعمل وفق خطط مدروسة ومناهج منظمة لتجنيد الشباب لتسوقهم حطبا الى الموت، بزعم إنهم يدافعون عن دينهم وعن دولتهم المزعومة، ويسهلون لهم أمر الالتحاق عبر دول ومحطات، غير أنهم ينتهوا بالنتيجة عناصر تقاتل دون أن تعرف من تقاتل، ولا تعرف تدافع عن ماذا؟؟ وهم بالنتيجة بهائم مفخخة جاهزة للتفجير والانتحار في أي لحظة يختارها الأمير أو المسؤول، لا يحق للبهيمة أن تسأل عن المكان أو الزمان أو حتى عن السبب، غير إنها تعرف بتحولها من كائن بشري الى قنبلة محشوة وقاتلة بقصد قتل اكبر عدد ممكن من الناس دون معرفة هوية الناس أو ديانتهم أو قومياتهم أو حتى مذاهبهم!!
عثمان أبو القيعان مثالا، مواطن فلسطيني يبلغ من العمر 30 عاما، وهو من بلدة حورة في النقب، يعيش مع أهله في المناطق التي تحتلها إسرائيل، ويعيش يوميا مرارة النكبة والاحتلال، مواطن بسيط ومن عائلة فقيرة، يتابع دراسته والتزاماته الاجتماعية والدينية، ويستكمل دراسته للطب في الجامعات الأردنية، حيث أكمل دراسة الطب في كلية الطب بجامعة أربد، وحين يكمل دراسته للطب لا يجد عملا سوى في إسرائيل نفسها حيث يحمل جنسيتها، وعبر الامتحانات المطلوبة في إسرائيل حصل على شهادة عمل، فيعمل كطبيب مقيم تحت التمرين في مستشفى بارزيلاي بمدينة عسقلان جنوبي إسرائيل.
كان طبيبا مجدا في عمله، مهنيا يقدم أعماله بإخلاص، متفانيا في تقديم المساعدات لمن يحتاجها، لم تكن تظهر عليه علامات التعصب أو التطرف، وكان من المفترض أن ينضم فيما بعد إلى العمل في مستشفى "سوروكا" في مدينة بئر السبع، وقبل فترة وجيزة من بدئه العمل هناك اختفت آثاره.
لا الواقع المرير، ولا احتلال إسرائيل، ولا التزاماته الاجتماعية والأخلاقية تجاه الأهل، تجد لها رادع أو لنقل مراجعة للتفكير قبل أن يتحذ قراره الخطير، هذا القرار ليس في رفض التطبيب في الأرض المحتلة، ولافي مقاتلة العدو المحتل، ولا في الانضمام الى تنظيمات حماس الفلسطينية اليمينية المتطرفة، ولا في أي قرار أنساني آخر، القرار الخطير في ترك كل شيء والالتحاق بتنظيم داعش، من خلال دورة عسكرية سريعة وشحن طائفي وأيديولوجي متطرف، وعبر تركيا التي أقام فيها بفندق (( أرمادا اسطنبول))، ليتوجه بعد ذلك الى سوريا ليقاتل الى جانب تنظيم دولة داعش.
عثمان أبو القيعان أو أبو البراء الطبيب الفلسطيني - الإسرائيلي المهتم بدراسة الطب ومزاولة المهنة، الغرابة في أن عثمان كان يرى انضمامه الى داعش دعما لرفع راية الإسلام وتحقيقا لإقامة دولة الإسلام التي ستحرر لهم فلسطين، وكان يرى أن من واجباته الالتحاق بداعش تاركا مهنة الطب ومعالجة الناس ومساعدة الفقراء.
ويقال أن شقيقة إدريس أبو القيعان هو من جنده وغيره للالتحاق بتنظيم داعش الإرهابي من أبناء الأرض المحتلة.
كان أبو القيعان مستعجلا للوصول عبر سوريا الى العراق، لمقاتلة العراقيين، وكان يحلم بأن يحز رقبة أي عراقي أو سوري ليضمن الجنة كما قالوا له، ولم يكن يعرف كم قدم العراقيين من دماء في سبيل فلسطين.
ولم يكن يعرف أيضا مواقف العراقيين تجاه فلسطين وأهلها، كان الفكر المتطرف يسيطر على عقله الصغير، وكانت تنطلي عليه أحاديث التشدد، فتغمر روحه الأحقاد والكراهية، وتسيطر عليه فكرة الجريمة بزعم أنها في سبيل ترسيخ أسس الدين الحنيف!!
تم قتل عثمان أبو القيعان وقبر في قيعان هذه الأرض التي بدأت تضم جثث لم تعد تعرف أسباب قتالها وموتها وانتحارها، تدفن معها أسرارها وأسباب قدومها والتفريط بحياتها ومستقبلها، ولا مصير عائلاتها، ومادام الشحن المتطرف باقيا، ومادام دعاة التطرف والتكفير بمنأى عن المسائلة، فسيبقى تجنيد وسوق أفواج من البهائم القابلة للتفجير في كل مكان.