بين فترة وأخرى تقع أحداث ترتكب من قبل بعض أجهزة الدولة وموظفيها بكل إشكالها، أو يتم ارتكابها من قبل أشخاص قد يعتقدون أنهم مسؤولين عن تطبيق القوانين والتعليمات، وهم لا يمتلكون هذه الصلاحية وليسوا مكلفين بهذا التطبيق، ما يجعلهم عملهم هذا نفسه تحت طائلة القانون.
الدستور العراقي حدد الإطار العام الذي تنص عليه القوانين، وهذه القوانين هي التي يتم تطبيقها، وكل تعد يخرج التطبيق عن حدود النص يجعل الموظف أو المكلف بالخدمة العامة تحت طائلة القانون بتهمة تجاوزه الحدود المرسومة للوظيفة، أو كل عمل يخالف واجبات الوظيفة، وبالتالي فأن كل موظف مهما كانت تسميته أو درجته الوظيفية يقوم بعمل خارج أطار القانون، فأنه يعد عملا لاسند له من القانون ويتحمل (شخصيا) ليس فقط العقوبات التي يرتبها قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، إنما يتحمل التعويضات القانونية ان كان لها مقتضى.
أما القيام بإعمال من قبل أشخاص لاصفة قانونية لهم فيعد من باب جرائم انتحال الصفة، فقد نصب نفسه أو تم إيهامه بان عليه تطبيق شكل من الأوامر حسب فكرة من أصدر له الأمر ، حيث يظهر للناس أو للمجني عليهم على أساس أنه يمثل شخصية منفذ ومطبق القوانين.
الجرائم الأولى التي يرتكبها أفراد من أجهزة الدولة من الجرائم التي تمس أمن المجتمع، وتخل بثقة الناس بمؤسسات الدولة، وغالبا ما تترك أثرا سلبيا على الحياة الاجتماعية وتحدث ضررا في استتباب الأمن، مما يستوجب العمل على ردعها وكشف مرتكبيها بأسرع وقت واكتمال التحقيقات الأصولية معهم وإحالة من أصدر تلك الأوامر التي لاسند لها من القانون ومن قام بتنفيذها إلى المحاكم القضائية المختصة، ومن ثم نشر الأحكام في أجهزة الأعلام، حتى يكونوا عبرة لغيرهم من الموظفين الذين يعتقدون إنهم يمكن لهم اختراع قوانين وإصدار قرارات خارج نطاق القوانين والدستور.
أن الاعتداءات المتكررة من قبل عناصر تنتمي إلى وزارة الداخلية على مقر اتحاد الأدباء في العراق يشكل إساءة بالغة للدولة ، ويعبر عن حجم الإهانة والاستخفاف الذي يمارسه المسؤول مهما كان اسمه أو درجته الوظيفية أو مركزه الحزبي لسلطة الدولة، وإزاء تكرار هذه الجريمة وسط مدينة بغداد فأن على أجهزة وزارة الداخلية أن تكشف الحقيقة للمواطن، وتعلن للرأي العام عن الأسماء التي مارست تلك الجريمة، لذا فان السكوت عنها أو حفظ ملفاتها سيجعل مسؤوليها ليس فقط في منأى عن المسائلة القانونية ، إنما يمكن أن يتم تكرار مثل هذا العمل الأجرامي في ظل عجز الدولة وأجهزتها الأمنية بقصد فقدان الثقة وإضعاف العلاقة بين المواطن وأجهزة الداخلية.
رحلة الطائرة المرقمة 118 القادمة من مشهد الى النجف يوم 16 تموز الغي مسارها وأصبح إلى بغداد بدلا عن النجف لوجود ثلاث مسافرين مسؤولين في وزارة النقل أمروا طاقم الطائرة بالتغيير حسب ما نشر في الفيس بوك .
قبل فترة تم مداهمة مطاعم ومنتديات في مدينة بغداد من قبل أجهزة عسكرية مدججة بالأسلحة، تم الزعم بان هذه المطاعم والمنتديات لم تجدد إجازتها لذا فهي مخالفة للقانون من قبل أمانة بغداد، وجريمة المخالفة لا تتحمل كل تلك القوة العسكرية المهاجمة، ولاكل تلك الأضرار التي أحدثتها، ولا تمرير الأمر وكأنه رغبة السلطة التنفيذية في هذا الأمر.
خلال أيام العيد أقام فندق الميريدان في بغداد حفلة تم ترتيب منح الموافقات الأصولية لها من قبل السلطات المعنية، تم إدخال قوة عسكرية مدججة بالأسلحة إلى الفندق وطرد المواطنين وتوقيف العمال والموظفين والمستثمرين بشكل همجي واستفزازي عنيف، لم توضح وزارة الداخلية حقيقة الأمر؟
ولا السبب الذي دعي قوات بغداد ضمن هذه الظروف إلى ممارسة هذا الفعل وبهذا الشكل، حيث كان بالأمكان التنسيق بشكل حضاري وإنساني مع المستثمرين لإلغاء الحفل والاعتذار من المدعوين.
إن أمر اعتقاد الموظف العمومي انه يمكن له أن يمنع ما يسمح به القانون ، أو يسمح ما يمنعه ويخالفه بذلك يعد أمرا خطيرا في سياق العمل الوظيفي، كما أن الأمر ينسحب للأسف إلى القضاة الجدد الذين لم يدققوا عميقا في نصوص قانون العقوبات العراقي ، فجريمة تناول الخمر المحددة في الفقرة الأولى من المادة ( 386) نصت على ما يلي: ((يعاقب بغرامة لا تزيد على عشرة دنانير من وجد في طريق عام او محل مباح للجمهور في حالة سكر بين بان فقد صوابه او أحدث شغبا او إزعاجا للغير.))
ولم يتم منع تناول الخمر إلا بشروط هذه المادة إما الاحتجاج والرفض فهو لا يشكل إلغاءا لنص قانوني أشترط عدة شروط للعقوبة، مع كل هذا تجد إن نقاط التفتيش العسكرية تصادر أي شيء من هذا القبيل يحمله المسافر دون وجه قانوني ، كما تتم محاسبة المواطن في أحيان أخرى، وبالتأكيد أن عنصر المفرزة ينفذ أوامر خاطئة ومخالفة للقانون تتعلق بحرية المواطن وكرامته وأمواله، وأن بامكان الدولة من خلال سلطتها التشريعية أن تمنع تداول الخمور أو تعاطيها أو التعامل بها أن أرادت، أما أن يترك الأمر لاجتهاد عنصر المفرزة فهذا الأمر منتهى الاستهانة بالقانون.
وحيث إننا نزعم تمسكنا بدولة يحكمها القانون ،وأن هذه الدولة تعتمد نظرية فصل السلطات، وأن السلطة القضائية مستقلة، فان الدستور نص قبل القانون بان لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، وعلينا أيضا أن ندرك أن ما نصت عليه المادة الثانية من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 بأنه لامساغ للاجتهاد في مورد النص.
علينا أن نجعل القانون والقضاء هما الحكم في مخالفة القوانين من قبل هذه الأجهزة ومنحها الفرصة لتعيد قراءة الدستور، وتعيد تعميم تعاليمها إلى الأفراد العاملين في أجهزة الدولة بالتزام نصوص القانون، وان الالتزام بتعليمات المسؤول المخالفة للقانون هو المخالفة بعينها وهو من يحمل الأفراد جريمة ارتكابها، ولهذا بحن بحاجة لنشر الثقافة القانونية بين أفراد السلطة التنفيذية العاملة في الشارع، والمتعاملة مع المواطن العراقي، نحن بحاجة ماسة لأن نعيد تلك العلاقة الحميمة والثقة العالية بين المواطن وأجهزة وزارة الداخلية العراقية، ودون ذلك فسنبقى نعيش في الفوضى والابتعاد عن التطبيق العادل للقوانين.