رفع بعض المواطنين في التظاهرات الأخيرة من ضمن مطالب إصلاح النظام ومحاربة الفساد عملية تعديل الدستور الاتحادي، وطالب بعض منهم رئيس الوزراء ومجلس النواب بإلغاء الدستور أو تعديله، وبمقتضى نص المادة (13) من الدستور العراقي فان هذا الدستور يعد القانون الأسمى والأعلى في العراق ويكون ملزما في كافة أنحاء العراق وبدون استثناء، وهو القاعدة الأساسية التي تستند عليها القوانين، ويشكل الدستور شكل نظام الحكم، وينظم العلاقة بين هيئات السلطات المختلفة وفقا لمبدأ المشروعية، وينص على المباديء الأساسية للحقوق والواجبات، ويعد باطلا كل قانون يتعارض مع نصوص الدستور، وقد اختار الدستور العراقي الحكم جمهوريا لدولة اتحادية معتمدا على مبدأ فصل السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية حيث يجري العمل بينها على أساس هذا الفصل، وتتكون السلطة التشريعية من مجلس النواب ومن مجلس الاتحاد المعطل حاليا، وتتكون السلطة التنفيذية من رئيس الجمهورية ومن مجلس الوزراء، وتتمتع السلطة القضائية باستقلاليتها وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفقا للقانون، وهذا الفصل بين السلطات لايعني بأي حال من الأحوال العزل الكامل أو الاستقلالية التامة، لأن الفصل هنا من اجل أن لايحصل تداخل في أساليب العمل والاختصاص، بل يكون الفصل مع وجود ترابط منهجي في العمل، بالإضافة الى اعتبار المؤسسة العسكرية خارج أطار تلك السلطات، باعتبارها المؤسسة العاملة لحماية تلك الدولة وكفالة ضمان عمل تلك السلطات وفق النصوص الدستورية، مع إن هناك من يعتبر هذه المؤسسة جزء مهم من السلطة التنفيذية.
والدساتير في العالم أنواع منها الدستور المرن والدستور الجامد، وصفة المرونة والجمود لا تتعلق بالتخلف والتطور، إنما تتعلق بنوع الإجراءات المتبعة في عملية التغيير، فالدستور المرن منها يعني أن من الممكن إجراء التعديلات الدستورية عن طريق الهيئة التشريعية أي مجلس النواب مباشرة، وأما الدستور الجامد فقد وضع آلية وإجراءات محددة ومقيدة في عملية التغيير.
والدستور العراقي وفقا لما وضع من آليات نصت عليها المادة ( 142 ) منه يعتبر من الدساتير الجامدة التي تتطلب إتباع إجراءات صعبة في سبيل تعديل الدستور.
ومع إن الفقرة أولا من المادة المذكورة ألزمت مجلس النواب (في بداية عمله)، تشكيل لجنة من بين أعضاءه ممثلة للمكونات الرئيسة للمجتمع العراقي، مهمة هذه اللجنة تقديم تقرير الى مجلس النواب يتضمن هذا التقرير مراجعة نصوص الدستور، واقتراح تعديل ضروري لبعض المواد إن كانت هناك حاجة للتعديلات التي يمكن إجراؤها على الدستور، وفي حال تقديم اللجنة مقترحاتها الى المجلس يتم عرضها للتصويت وتعد مقرة بموافقة الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس، والتقييد الوارد في الدستور لا يعطي الحق لمجلس النواب إجراء التعديل، وإنما نصت الفقرة ثالثا من المادة المذكورة على أن تطرح المواد المعدلة من قبل مجلس النواب على الشعب للاستفتاء عليها خلال مدة (شهرين) من تاريخ إقرار المجلس عليها بالأغلبية المطلقة، والاستفتاء المقرر اجراوءه على المواد المعدلة والمقترحة يعد ناجحا ونافذا في حال حصوله على أغلبية المصوتين، وإذا لم يرفضه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات أو أكثر.
لم يتم تقديم مقترحات لتعديل بعض المواد من قبل أي لجنة تشريعية بما فيها اللجنة القانونية في مجلس النواب، بالرغم من حاجة الدستور للتعديل والتقويم، ومع التقييد الوارد ضمن الفقرة ثانيا من المادة ( 126 ) من الدستور القاضي بعدم جواز تعديل المباديء الأساسية الواردة في الباب الأول (المواد من 1- 13 )، والنصوص الخاصة بالحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني إلا بعد دورتين انتخابيتين متعاقبتين، واشترط الدستور موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب، وكما اشترط موافقة الشعب بالاستفتاء العام، ومن ثم مصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة أيام، وفي حال تعديل المواد الأخرى غير المنصوص عليها في ما ورد أعلاه اشترط النص أن تكون هناك موافقة لثلثي أعضاء مجلس النواب وموافقة الشعب بالاستفتاء العام ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة أيام أيضا.
أذن ليس بأمكان رئيس الوزراء ولا رئيس الجمهورية أجراء أية تعديلات على نصوص الدستور، كما أن مجلس النواب مقيد بالطريقة والكيفية التي رسم بها الدستور آلية التعديل أو التغيير.
نعم ان الدستور العراقي بحاجة إلى تعديلات ومراجعة، بوجود فجوات ونصوص لم نعد بحاجة إليها، مجلس الرئاسة (المادة 138) على سبيل المثال لا الحصر، وعلينا أن نتبع الطريق الذي حدده في التعديل والتطوير، وان لا دولة بدون دستور مكتوب أو قواعد عرفية غير مكتوبة، وان القواعد الدستورية المنصوص عليها في الدستور العراقي ينبغي أن تواكب التطورات السياسية والاجتماعية في العراق، وأن يكون حضور المختصين ضرورة من ضرورات التعديلات والتدقيقات الدستورية.
أن تعديل الدستور ضرورة وطنية ملحة، وهو غير إلغاء الدستور برمته، وتعتمد عملية التعديلات على الحاجة القانونية والانسجام الموضوعي بين واقع الحياة وبين النصوص، بالإضافة إلى الواقع السياسي والمرحلة التي يعيشها العراق، والدول الرصينة من تعتمد على دساتير ثابتة تلبي مرحلتها التاريخية، ولايمكن اللجوء إلى التعديل في الدستور لو لم تكن هناك حاجة لذلك، ومن هنا تأتي مطالبة الشارع العراقي بضرورة أجراء التعديلات الدستورية، والتي يجب أن تكون بعيدة عن المحاصصة والحزبية الضيقة، وان الدستور العراقي عد نافذا بعد موافقة الشعب عليه بالاستفتاء العام ونشره بالجريدة الرسمية، وبعد أن ألغى قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية باستثناء ما يتعلق بالفقرة ( أ ) من المادة (53) والمتعلقة بالاعتراف بحكومة إقليم كردستان، والمادة ( 58 ) منه، وتتعلق باستكمال تنفيذ متطلبات المناطق المتنازع عليها، والتي نصت عليها المادة (140) من الدستور، والتي تم تسويفها والمماطلة في تنفيذها.
ويبقى العراقي في حاجة إلى إعادة بناء الثقافة الدستورية من جديد، بناء وعي جديد للمواطن العراقي ومعرفته بالحقوق والواجبات المنصوص عليها في الدستور، وتعريف المواطن ضمن تلك الثقافة بأهمية الممارسة الديمقراطية واختيار ممثلي الشعب، بالإضافة الى معرفة المواطن بالمرجعية التي يمكن الاحتكام إليها في حالة الخرق أو التجاوز على الدستور أو على القوانين التي نص عليها الدستور، وهذا لن يتأتى من دون نقاش حر ومسؤول، من أجل أيجاد صيغ ثقافية شعبية تبسط التعابير القانونية، وتساهم في إيصال تلك المعلومات الثقافية التي ظهر نقصها واضحا في مسألة الوعي وحرية التعبير والاختيار، ليفهمها المواطن العادي وتقع على عاتق منظمات المجتمع المدني تبسيط تلك المعاني والمفاهيم.
أن من سلبيات عدم وجود هذا الوعي سهولة تمرير الحكام والمسؤولين في المؤسسات التنفيذية الخروقات الدستورية ومحاولات تطويع تلك النصوص لمصالحها، وبالتالي تهميش قيمة العقد الاجتماعي مع الهيئة العامة، بالإضافة الى سهولة التبرير وتبسيط قضية التعديل الدستوري بما يتعارض مع شكل الدستور الذي يتطلب آلية غير سهلة في التعديل.
ومن أجل بناء دولة المؤسسات وترسيخ سيادة القانون ينبغي ليس فقط في الفصل بين السلطات الثلاث "التشريعية والتنفيذية والقضائية" وإنما يقتضي تحقيق التوازنات بينها، وتشجيع دور مؤسسات المجتمع المدني، وإصدار قوانين الحرية السياسية التي تؤمن عمل ونشاط الأحزاب الوطنية، ووضع النصوص الدستور التي تمنع ظهور أحزاب تتبنى المناهج العنصرية أو الإرهابية أو التكفيرية أو الطائفية، واحترام حقوق الإنسان من خلال التأكيد على الحقوق المدنية والسياسية بما ينسجم مع خصوصية الشخصية العراقية والمبادئ العامة لحقوق الإنسان.