لقد تطرقتُ في مقالاتٍ سابقة عن موضوع القيادة، والفرق المبدئي بين السلطة المسؤولية.. ولربما قد يمتد الحديث عن مثل هذه المواضيع ليشمل المنظور السياسي، المنظور المهني، المنظور الديني، المنظور الاجتماعي وغيرها. ان القيادة مطلوبة في كثير من الأحيان، وهي بكل بساطة القابلية على أخذ القرارات وتحمل مسؤولية عواقبها... وكأمثلة على ذلك: فنحن نقود سياراتنا (اي نتحكم في اتجاهاتها وسرعتها وطريقة حركتها) للوصول الى مكان معين.. الاب و الام يقودان عائلتهما عندما يكون الأطفال صغار.. رب العمل أو المدير يقود سياسة مؤسسته ويدير شؤون موظفيه (أحياناً يكون هناك مجلس إدارة مؤلف عدة أشخاص).
رئيس الدولة يقود دولته وتكون له الكلمة العليا في اتخاذ القرارات او عدم اتخاذها (على حسب بروتوكولات الدول المختلفة)..
وفي النهاية، فإن الاقدار تقود مصيرنا.. ولكن، دعونا نتجنب الحديث عن الفلسفات اللاأدرية والتحدث عن الأقدار في هذه المرحلة، ولنتحدث عن واقع حياتنا الذي لربما يمكننا تغيره ولو لفترة وجودنا على هذه المعمورة..
في مرحلةٍ ما، كلنا قد نحتاج الى مشورة أو رأي من شخصٍ حكيم أو إنسان متخصص في شئ معين.. وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن العائلة تحتاج الى شخص لديه متسع من الحكمة لكي يبدي رأيه بأمور الحياة التي قد يصادفها صغار أو شباب العائلة من الذين لم تسنح لهم الفرصة للدخول في معترك الحياة والتعلم من مواقفها، لكي يعطيهم النصائح.. وهذا هو مربط الفرس، التعلم من التجارب التي يعيشها الفرد.. فمن المفترض أن يكون كبار العائلة مرجعاً لإسداء النصائح (ولكن ليس بالضرورة أن يحدث هذا بمعانيه النرجسية في كل الأحوال).. في موقفٍ ما، قد يأتي الأب ويحذر أبنه من عدم الدخول في تجربة معينة لأنه قد تعرض لنفس الموقف في الماضي وتصرف بشكل معين جعله يتألم.. في تلك اللحظات، لربما يستجيب الأولاد لتحذير الآباء مؤمنين بخبرتهم آبائهم في هذه الحياة متجنبين الوقوع في نفس الفخ، ولربما لا يكترثوا بمثل هذه النصائح، ويدخلوا الى معترك التجارب، محاولين التعامل معها بأنفسهم وبخبراتهم المحدودة.. وكنتيجة، لربما يخسرون أو ربما يربحون، إعتماداً على قابلياتهم في التعامل مع الأمور.
وهذا ليس بالشئ السيء في كل الاحوال، فأن يحاول المرء الدخول في معترك التجارب ومحاولة التعامل معها بشكل فريد ربما قد يغير من النتائج المتوقعة في بعض الأحيان. ولكن هناك مواقف نتائجها قد تكون واضحة منذ البداية، وآراء الحكماء ونصائحهم قد تنجينا من خطر الوقوع في الألم والمعاناة.. أما إذا تعامل الفرد مع النصائح بمبدأ العناد، فهنا سيكون الخطر رابض على الباب.
قائد العائلة، رب العمل، المرشد الروحي، رئيس الدولة، كلهم مسؤولون عن توفير الرعاية والنصيحة والإرشاد والدعم والمحبة وفي النهاية التوبيخ (في حالة تعمد الوقوع في الأخطاء أو عدم الحكمة في أتخاذ القرارات)..
هناك أفراد لا يمتلكون الرؤية القيادية ولا القابلية الفاعلة على إدارة الأمور.. ومعظمهم لا يشعرون بذلك، فتراهم يستقتلون في سبيل تولي مقاليد الأمور، لكي يثبتوا لأنفسهم بأنهم أهلٌ لها... وهذه المشاعر كانت سبباً في انقلابات سياسية كبيرة وإزاحات أجتماعية وغيرها من اساليب قسرية في التغيير، بسبب إيمان البعض برؤية معينة يرغبون بفرضها على من هم حولهم.
من جهة أخرى، هناك فئة واسعة من الناس ممن يؤمنون بوجود مرجعية حكيمة في مختلف مرافق الحياة، وهذا يشعرهم بالأمان في المواقف الصعبة ، إذ ستكون الأمور أهون بكثير في حالة وجود حكماء في مواقع قيادية..
وعلى ضوء هذا، يتوجب وجود نظام واضح لأختيار القيادات السياسية، الاجتماعية، المهنية، الرياضية.. الى آخره من مجالات الحياة.
ولكن لكي تكون هذه القيادات فعّالة، يجب أن تُنتخب. فماضيها وحاضرها يحددان مدى صلاحياتها..
ومن ناحية ماضي المرء، فالكل معرض للخطأ، ولكن يجب التركيز على كيفية التعامل مع الخطأ والتوقف عنه في مرحلة ما.. فأكتساب الحكمة لا يبنى على الأختيارات السليمة فقط، لا بل على كيفية تجاوز القرارات أو التصرفات الغير صحيحة بعقلانية وتحويل مجريات الأمور نحو توجهاتٍ إيجابية تخدم الإنسان ومجتمعه وبيئته.
وهذه هي مسؤولية كل فرد قادر على أخذ قرارات في هذه الحياة (ويستثنى من ذلك كل من لم تسنح له ظروفه أن يتمتع بقابلية ذهنية وصحية تساعده على تحمل مسؤولية أخذ القرارات).
مع التقدير.