في مدرسة ابني الابتدائية، التقي كل يوم برجلٍ من خلفية فيتنامية، وهو جدٌ لأحد الطلاب الصغار، إذ يأتي بحفيده الى المدرسة يومياً، لأن والدا الطفل يذهبان الى عملهما مبكراً.. كل يوم أرى هذا الرجل مبتسماً متفائلاً يملأ وجهه الفرح.. حتى في مرضه.. فعندما يصابُ بالزكام أحياناً في ايام الشتاء الباردة، أراه محمر العينين، وابتسامته متعبة، ولكنه لا يتخلى عنها.
وفي أحد الايام كنت أتحدث مع أحد آباء الطلبة (والذي هو من أصل عربي)، وجاء هذا الرجل الفيتنامي بابتسامته المعهودة وتفاؤله الغير مألوف بالنسبة لمعظم من أتوا من المنطقة العربية ليُلقي علينا تحية الصباح. وبعد أن حيانا الرجل بحرارة، سألني الشخص الآخر قائلاً: هل تعتقد بأن هذا الرجل طبيعي؟ أنا أعتقد بأنه مجنون لأنه يبتسم في كل الأوقات.!
حينها ضحكتُ مطولاً، لأن شر البليةِ ما يضحك.. وقلت للأب العربي الاصل: لا يا أخي هذا الرجل ليس بمجنون، بل هو إنسان متواضع وقنوع وسعيد بما منحته الحياة له.. ولكن في داخلي شعرتُ بحزنٍ كبير.. لأن البعض (وهم كثيرون) يعتبرون الأشخاص السعداء مجانين..!
وقلت في قلبي، هل يُعتبر الإنسان السعيد مجنوناً في ايامنا هذه.؟ إن كان ذلك صحيحاً، فطوبى لكلِ مجنونٍ إذن.. ويا لغبطةِ من فقد صوابه لينسى آلام العالم والبلايا التي فيه.. وحينها تذكرت ما رأيته في طفولتي في العراق، حيث كان هناك رجلٌ يعاني من اضطراب عقلي في منطقتنا، وكان يضحك بصوتٍ عالي أحياناً، وبين الحين والآخر كان يتبعه الأطفال على مسافة أكثر من كيلو متر ويرجمونه بالحجارة، وكان فوج المستهزئين به يستمر برجمه لأكثر من ساعة وهو يركضُ هارباً، وهم وراءه وما من أحد يوقفهم. إلا أن يظهر أحد الذين تتحرك مشاعرهم الإنسانية (وهم ما يعادلوا 1 لكل 10000 في مجتمعنا) ويحمي الرجل من العذاب والعقاب الذي لا يعلم بسببه..!
أما الآخرون في الشارع، فهم متفرجون فقط.. وأغلبهم كان يستمتع بالمشهد.. وبعد يومين او ثلاثة أجد نفس الشخص يضحك من كل قلبه في إحدى ناصيات الشارع بعد أن نسي الألم من الجروح..!
وغفر لضاربيه ولكل من رجمه بالحجارة..
طوبى لمن لا يشعر بالأحقاد..
طوبى لمن لا يكن الضغينة لغيره..
طوبى لمن يبتسم من القلب إن كان عاقلاً او مجنوناً.. وما أسعد المجانين الذين لا ينتمون الى عالم المكر والنفاق.