هناك الكثير من الأفراد يعيشون في حالاتٍ أجبرتهم ظروفهم أن يحيوا فيها.. ومن أسوأ ما يمكن أن يحدث للمرء هو أن يقضي حياته كلها في وضع صعبٍ، خارجٍ عن ارادته، ولا يمكنه تغييره.. طبعاً تتباين الأسباب والمسببات في هذا الصدد.. فهناك من يحيا حياةً قسرية خوفاً من التهديد.. وهناك من يعاني من بقاءه في مكانٍ معين (وطن أو بيت أو عمل) لأنه لا بديل لديه.. وهناك من يقرر أن يبقى في ظروفٍ صعبة مُضحياً من أجل من هم بحاجة إليه... وهناك من يخضع للضغوط بسبب ضعف في الشخصية وعدم الرغبة في التغيير.. وغيرها من الأسباب المختلفة..
المهم، كل هؤلاء الافراد لهم أسبابهم وظروفهم التي قد نفهمها، وقد لا نفهمها.. ولكن ما يزيد الطين بله في بعض المجتمعات هو إن هناك فئة من الناس تحكم على ظاهر الأمور وتنتقد من هم في مثل هذه الظروف القاهرة، غير آبهين بمرارة الأسباب التي قد تكون مجهولة بالنسبة لهم، فيضعون ضغوطاً إضافياً على كاهل هؤلاء المعانين بحديث ونميمة غير عادلة.
بعكس المجتمعات المتحضرة التي تهتم بحقوق الإنسان، إذ تجد أغلبية الناس يقدرون الظروف، ولا يحكموا على الأفراد مهماً كانت أختياراتهم، التي قد يُجبرون عليها أضطراراً في كثير من الأحيان.
ومثلما ذكرتُ سابقا، فالجبر والأضطرار قد لا يكونا بسبب التهديدات أو الضعف فحسب.. بل ربما بسبب الحب أحياناً..!
نعم، لا تستغربوا.. فكم من أم تضحي بالبقاء مع رجل عنيف أو مقامر أو مدمن أو مجرم، فقط لكي لا تسبب الأذى الاجتماعي لأهلها ولأبناءها؟
وكم من أب يضحي بالبقاء مع إمرأة لا تستحق أن تكون زوجة لأي شخص مُهذب بسبب حبه لأبناءه؟ وكم من موظف يضطر لمجارات صاحب عملٍ سليط اللسان ومُستبد بسبب الحاجة للعمل والوارد المالي الذي يتم استحصاله منه لإعالة عائلته؟
وكم من عاملة في دور البغايا أضطرتها الظروف أن تكون مجبرة على بيع جسدها كي تشتري الدواء لأحد أفراد عائلتها؟
وكم من مقاتل في جيوشِ حكوماتٍ وحشية يضطر لمحاربة أشخاصٍ لا يعرفهم، وإلا سيواجه عقوبة الأعدام فيما لو تخاذل، ويجلب العار لأهله الذين يحبهم كثيراً؟
وكم من أم تنظف في بيوت الأغنياء لكي توفر لقمة طعامٍ لأولادها؟ وكم من شخص تغرّب مضطراً للعمل في بلدانٍ بعيدة بسبب الفقر والحاجة في بلده الأم؟ كل من كان قادراً على تغيير ظروف حياته نحو التحرر من الظلم فأنا أعتبره محظوظاً.. مع العلم بأن كل تغيير يتطلب تضحية بشئ ما.. فمن أخذ قراراً بهجر زوجةٍ مستبدة وظالمة تراه في أحيانٍ كثيرة يخسر أبناءه أو يفقد فرصته في تربيتهم.. ومن أستطاع أن يقول لمرؤسه في العمل "أنت ظالم" تجده خسر وظيفته وعانى مادياً، ربما لوهلة من الزمن، قد تطول وقد تقصر.. ومن قرر أن لا يُقاتل خلال خدمته في الجيش ربما يواجه عقوبة الأعدام أو يُتهم بالجُبن.. وهكذا تتباين أولويات الأفراد وما يتبعها من أختيارات.. ولكن بالنتيجة، تأكدوا بأن الظلم لايزال موجوداً.. وليست كل الوجوه المبتسمة سعيدة.. ولا كل من هو صامت، لا يشكو آلامه للغير، يُعتبر بخير.
فهناك الكثير ممن هم ليسو بخير.. وداخل جدران الكثير من المنازل يحيا أفراد في حالات أجتماعية صعبة جداً.. يا ترى من سينقذهم إذا كانوا غير قادرين على إنقاذ أنفسهم؟
ومن سيصدق واقع حالاتهم في مجتمع مزيف يؤمن بالمظاهر الخداعة والتضليل؟ ثقوا، كما ان السجون مليئة بالمساجين، هناك بيوت كثيرة مليئة بالمساجين أيضاً.. ولكنهم حبيسي ظروفهم ومجتمعهم وأعرافهم التي لا ترحم.