سمعنا مؤخراً عن تزايد المؤشرات الأحصائية التي تدل على تزايد نسبة أرباح الاندية التي تحتوي على مكائن للقمار في مدينة فيرفيلد وضواحيها، والتي أصبحت الاعلى في ولاية نيو ساوث ويلز..!
من أو ما هو السبب يا ترى؟
هل نلقي باللوم على الأندية التي توفر مكاناً لطيفاً لممارسة الهوايات المختلفة ولا تقتصر على مكائن القمار فقط؟
أم نلقي باللوم على الناس ونحن لا نعلم بظروفهم ومداخلات حياتهم؟؟
أو هل سنلقي باللوم على الحكومة والحرية الاجتماعية مثل كل مرة؟؟؟
أم سنندب حظنا العاثر ونقول قسمة ونصيب، غصباً عنا؟؟؟
يا أعزائي، علينا إدراك حقيقة مهمة، ألا وهي إن الأفراط أو الأدمان على القمار هو شبيه نوعاً ما بغيره من أنواع الأدمان، كالإدمان على شرب الكحول، والأدمان على التدخين، والأدمان على الطعام، والأدمان على العمل، والأدمان على متعٍ او ملذاتٍ أو عاداتٍ معينة.
وهذا النوع من الإدمان يبدأ بالشعور بأن ممارسة مثل هذه اللعبة أو الفعالية قد يعوّض عن فقدان معين أو قد يُلهي الإنسان عن مشكلة معينة، أو ربما للطمع، وربما لأسباب أخرى.
ساسرد لكم سيناريو معين له علاقة بهذا الموضوع ولكن باسماء وهمية، وساترك لكم حرية التحليل وتشخيص الخلل:
وصل سعدون الى استراليا بعد أن ضاعت كل ممتلكاته في العراق بسبب الحروب والتفرقة العنصرية، كما وضاعت سنوات عديدة من شبابه في بلد الانتظار. وهاهو الآن في الاربعينيات من عمره في بلدٍ جديد لا يتحدث بلغته ولا يمتلك الدراية والمعرفة بقوانينه ولا بانظمته.
يدخل في البرامج المتوفرة للتوعية، ولكنه يشعر بعجزها عن إدخال المعلومات في دماغه المُتعب الذي أنهكته الصدمات النفسية التي تعرض اليها في العراق وفي سوريا...
يعودُ في أحد الايام الى البيت فيجد زوجته في أنتظاره قائلة - لقد انتهى مبلغ المعونات التي نستلمها من نظام الرعاية الاجتماعية ، إذ دفعت الإيجار الباهظ ودفعت قسطاً لفاتورة الكهرباء وأشتريت بعض الطعام ولم يتبقى شيئاً..!
يتضايق سعدون، و يهرب من البيت حزيناً وحائراً، راغباً بالبحث عن عملٍ ما، ولكنه لا يستطيع ان يطلب أو يشرح بسبب حاجز اللغة.
فيلتقي ببعض الأفراد من جاليته الذين يقنعونه بمحاولة لعب القمار لأن "فلان" قد ربح 10000 دولار البارحة وفلان فاز باللوتو الكبير قبل 6 أشهر وغيرها من الأمثلة التي تتحدث عن الربح، ولا تتحدث عن الخسارة وخراب البيوت...!
يستدين سعدون مبلغاً وقدره 100 دولار ويذهب الى النادي وهو في حالة يأس من هذه الحياة، فيقوم أحد الأشخاص الذين هم معه بمساعدته وتدريبه في تجربة اللعب الأولى.. فيخسر في البداية ثم يربح 150 دولار.. فيقول سعدون كفى يا أخي العزيز خذ الـ 100 دولار التي اقترضتها منك وأعطني الـ 50 دولار الباقية لكي أشتري بعض الطعام لأولادي..
ثم يعود سعدون للبيت سعيداً مع وجبة عشاء لطيفة للعائلة قائلاً لزوجته: لقد عرفت الطريق السريع نحو الغنى...!
هذه كانت البداية السعيدة، أما النهاية (وبعد سنتين فقط) فلا أرغب بالخوض في تفاصيلها ولكن سأوجزها بجملة واحدة: تعرض سعدون الى أزمة قلبية بعد خسارات متتالية في القمار وتراكم الديون وإنفصاله عن زوجته وحرمانه من أولاده.
بعد سماعنا لهذه القصة المؤلمة، فهل ينحصرُ الحل يا ترى بغلق الأندية أو تقليل عدد مكائن القمار فيها؟ وهل تتصورون بأن المدمن على القمار سيتردد عن الذهاب الى أندية في اماكن أبعد من منطقته؟
إن الموضوع أكبر من هذا بكثير، ولكي نمنع الأفراد أو نقلل من ممارساتهم لبعض الفعاليات الغير مستحبة أو المؤذية علينا توفير أشياء آخرى لهم بالمقابل...
وبرأيي الشخصي فإن الناس (وخصوصاً المهاجرين الجدد) بحاجة الى:
انظمة تعليمية جديدة لتطوير المهارات، والتي قد لا تعتمد كلياً على اللغة الانكليزية في البداية
توفير فرص عمل وخلق مشاريع اقتصادية في منطقة فيرفيلد وتوابعها تتطلب خبرات متنوعة وكفاءات متباينة منها فكرية ومنها يدوية ومنها تقنية لكي تجذب اكبر عدد من الايادي العاملة.
حملات توعية كبيرة بمخاطر الادمان على القمار وغيره من الممارسات التي تؤدي الى عواقب وخيمة
تعديل في نظام الضمان الأجتماعي وتطويره بعد استشارة مختصين في الشؤون المجتمعية والأقتصادية أيضاً ، وعدم ربط وارد الرجل المالي من عمله بالمساعدات المالية التي تستحصلها الزوجة (لمدة سنتين على الاقل) لكي يتحفز على البحث عن عمل ويطوّر من مهاراته وخبراته المحلية ، ولا يعتقد بأنه سيعمل بدون مقابل فيما لو تتاقصت المستحقات العائلية التي تستحصلها عائلته ، لحين ما يصل الى أجر معين يغنيه عن مثل هذا التفكير أو القلق.
تمويل مشاريع تنمية اجتماعية لغرض فسح المجال لجذب الوافدين الجدد في مشاريع فنية او رياضية خلاقة تساعدهم على الاندماج بالمجتمع تدريجياً
والأهم من كل الاحتياجات الموضحة أعلاه، هي الإرادة.. إذ يتوجب على الإنسان أن يحكّم العقل في كل الأحوال... وأن لا يستسلم للهفوات التي قد تقود الى كوارث عائلية او اجتماعية او اقتصادية او ربما صحية.. قد يُعتبر جزءاً من الكلام الذي ذكرته نظرياً لدى البعض، ولكن لو دققنا ملياً فإن كل شئ ممكن بتظافر الجهود... حكومة، مؤسسات أجتماعية، مؤسسات صحية ، قطاع الأعمال الخاص، والأهم هم أبناء وبنات المجتمع أنفسهم.
لذا، دعونا نتوقف عن اللوم، وان نساهم جميعنا في ترسيخ الحلول المنطقية والعملية لهذه المسألة التي أصبحت موضعاً لقلق المهتمين.